ماذا وراء التعبئة والانضمام؟
يبدو واضحاً التزامن بين قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعلان التعبئة الجزئية في صفوف القوات الروسية، وإعلان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في إقليم دونباس ومقاطعتي زابوروجيه وخيرسون نيّتها الاستفتاء على الانضمام إلى روسيا.
وواضح أيضاً من خلال ردود الفعل الغربية، وخاصة الأطلسية، أن القرار الروسي جاء بمنزلة صدمة عامة للجميع جعلتهم يتخبّطون في الردّ على هذا الإعلان، بل يتعمّدون إلى حدّ ما فصل فكرة إعلان التعبئة عن فكرة الاستفتاء، حيث ذهب بعضهم إلى القول: إن قرار التعبئة ينمّ عن ضعف روسيا وعجزها عن الانتصار في أوكرانيا، رغم أن الرئيس بوتين أشار بوضوح إلى أن هذه التعبئة جزئية، ولو أرادها عامة لحشد 25 مليون مقاتل، وهذه التعبئة لا تمثل سوى 1% من التعبئة العامة.
غير أن التخبّط في بعض التصريحات الغربية فضح الجانب الخفيّ من الصدمة التي تعرّض لها حلف شمال الأطلسي، حيث ذهبت مثل هذه الردود إلى القول صراحة إنها ترفض نتائج الاستفتاءات التي ستجري على هذه الأراضي، رغم أن الإجراء بحدّ ذاته إجراء ديمقراطي حسب المقاييس الغربية على الأقل، فهناك أغلبية شعبية في هذه الأقاليم تؤيّد الانضمام إلى روسيا، وهذا ما أشارت إليه الغرف المدنية مثلاً في مقاطعتي خيرسون وزابوروجيه، فضلاً عن رأي الجمهوريتين المعلنتين من طرف واحد سابقاً دونيتسك ولوغانسك الواضح سلفاً حول قضية الانضمام إلى روسيا، وهو طبعاً ردّ فعل طبيعي بالقياس إلى التمييز الكبير الذي عانى منه سكان الإقليم على مدى العشرة أعوام الماضية على يد النازيين الأوكران الذين شنّوا عليهم حرب إبادة خدمة لحلف شمال الأطلسي الذي يرغب بالتوسّع نحو روسيا انطلاقاً من هذا المكان، حيث سيصبح على تماسٍ مباشر مع حدود روسيا الغربية وخاصة العاصمة موسكو.
إذن تنوّعت ردود الأفعال الغربية حول إعلان التعبئة والانضمام، ولكن ردود الفعل هذه كانت تحاول قدر الإمكان الهرب من إعلان الصدمة الكبيرة التي مُني بها المشروع الغربي في الحرب على روسيا، حيث إن إعلان التعبئة في الجيش الروسي بموازاة إعلان انضمام أراضٍ جديدة إلى روسيا بإرادة ذاتية، لم يكن مصادفة، لأن انضمام هذه الأراضي إلى روسيا سيجعل صواريخ “الناتو” الموجّهة نحوها اعتداء مباشراً على الأراضي الروسية، كما أن إرسال ما يعادل ثلاثمئة ألف من المقاتلين الروس إلى هذه المناطق بعد إعلانها أراضيَ روسية يعني أن الاعتداء عليها سيكون بمنزلة الاعتداء على موسكو، وهذا بالضبط ما هدف إليه إعلان التعبئة وليس ما حاولت الدول الغربية تسويقه من ضعف أو عجز الرئيس بوتين.
ومن هنا فإن التزامن بين إعلان التعبئة وإعلان الاستفتاء يهدف أساساً إلى إجبار حلف شمال الأطلسي على محاربة روسيا بالأصالة، أي أن أيّ اعتداء على هذه المناطق باستخدام أسلحة الناتو بعد انضمامها إلى روسيا ونشر قواتٍ روسية بشكل رسمي فيها، سيكون بمنزلة اعتداء مباشر للناتو على روسيا، الأمر الذي يجعل “الناتو” تلقائياً في مواجهة معلنة مع روسيا، وهذا ما ترفض قيادة الحلف والدول الغربية حتى الآن الاعتراف به، ولكنها ستضطر إلى قراءته جيّداً شاءت ذلك أم أبت، فهل يغامر الغرب بالإعلان عن حرب عالمية ثالثة؟.
طلال ياسر الزعبي