كان الزمان وكان..!!
سلوى عباس
كنّا في اجتماع لتحكيم جائزة للقصة عن أحداث الحرب تستهدف طلاب الجامعات الذين طالتهم الحرب أو كانوا شهوداً عليها، في خطوة من مؤسّسة وثيقة وطن لتوثيق مجرياتها، بمعنى أن يسهم من عاشوا هذه التجربة في توثيق هذه الحقبة من تاريخ سورية، وقد عبّر المشرف على المسابقة عن مفاجأته بضعف مستوى الطلاب اللغوي والتعبيري، وافتقادهم لأسلوب الصياغة الذي يفترض بهم كطلاب جامعيين أن يمتلكوه، إضافة للقدرة على التعبير بطريقة أفضل.
الحقيقة ما يفتقده طلابنا في مراحل دراستهم كلها هو الاهتمام من قبل القائمين على العملية التعليمية من مدراء مدارس ومدرّسين بثقافة الطلاب، وسبر اهتماماتهم وتوجيههم لما يغني هذه الاهتمامات وتدعيمها بتنمية عادة القراءة لديهم، واختيار الكتب التي تخدم ثقافتهم حسب كلّ مرحلة عمرية، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار مواهبهم وميولهم الفنية والأدبية، خاصة وأنه في الوقت الحاضر أصبحت المدارس تضمّ في كادرها التدريسي متخصصين في المكتبات والموسيقا والرسم والرياضة وغيرها، ومسؤولية هؤلاء متابعة الطلاب الذين لديهم ميول إبداعية في أي مجال، وتحفيزهم بإيجاد وسائل تساعدهم على صقل مواهبهم، كالعمل على عودة الإذاعة المدرسية والمجلة الحائطية التي تعتبر من أهم الأنشطة المدرسية التي تحقق أهدافاً تعليمية وتربوية كثيرة، كصورة من صور تطور المنظومة التعليمية ووسيلة لتفعيل دور الطالب من مجرد متلقٍ للمواد الدراسية إلى مشارك فيها بفكره ومجهوده كونها منبراً وفرصة للطلاب للتعبير عن اهتماماتهم وآرائهم وأفكارهم وكلّ ما يخالج وجدانهم، كما أنها تعكس الثقافة المدرسية في المدرسة، ولعلّ المجلة الحائطية هي الوسيلة الإعلامية الأولى التي تعرّف المجتمع وأولياء الطلاب بنشاطات المدرسة، والتعبير عن أفكار الطلاب ونظرتهم للمستقبل، إضافة إلى تنمية مهاراتهم اللغوية والكتابية والفكرية، وامتلاكهم مهارة التعلم الذاتي وتشجيعهم على البحث عن المعلومة بأنفسهم والاستعانة بكلّ الوسائل المتاحة للحصول عليها، وهذا يشجعهم على ارتياد معارض الكتب والمكتبات للاستعانة بكل مصادر المعرفة المتوفرة، بما في ذلك الإنترنت الذي يلعب دوراً أساسياً في تحضير موضوعاتهم بدلاً من استخدامه فيما لا طائل منه، واكتساب مهارات مهنية للمستقبل. وأذكرُ عندما كنا طلاباً كم كنا ننشغل بتصميم المجلة الحائطية ومشاركة أساتذتنا الذين كانوا على قدر كبير من المسؤولية التعليمية والتربوية التي عكست نبل عطائهم، فكانوا يشجعوننا بشكل دائم على تنمية مواهبنا ويتيحون لنا المجال للسؤال والاستفسار عن أي فكرة تدور في أذهاننا باختيار الموضوعات التي ستنشرُ في المجلة، وإتاحة الفرصة لنا لوضع عنوان جذاب لها يدلّ على مضمونها، ونلونها بألوان مشرقة هادئة تريح العين وتسرّ القلب وتعطي كلّ موضوع تميزه بشكل صحيح وراقٍ، وأن تحوي صوراً تعبّر عن مضمونها، بخط جميل وواضح والشكل الذي ستخرج به، وكم كنا نسعد عندما نقرأ موضوعاتنا منشورة مذيّلة بأسمائنا، وكانت تطربنا كثيراً عبارات الثناء من أساتذتنا على جهودنا، مؤكدين لنا أن مجلة الحائط المدرسية وسيلة مثالية لبناء شخصياتنا وحثنا على المشاركة فيها، ولهذا تحرص أغلب المدارس على المحافظة على هذا التقليد الذي نفتقده الآن في مدارسنا رغم توفر مقومات تطوير العمل التربوي والتعليمي بإعادة تفعيل وسائل المعرفة والمتعة لمساعدة الطلاب على تقبل منهاجهم والتفاعل معه.
فهل للقائمين على العملية التعليمية والتربوية أن يعيدوا لمدارسنا وجهها الوضاء بإعادة الاعتبار لزمن كانت فيه الوسائل المعرفية من إذاعة ومجلة حائطية وأدوات رسم وموسيقا هي الدافع لدى الطلاب ليكونوا فاعلين في المجتمع ومساهمين في بنائه؟