أهالي حلب حلقوا مع سيمفونية السياحة الثقافية
حلب- غالية خوجة
كم من القصائد واللوحات رفرفت مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية على المسرح الأثري بقلعة حلب بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، ومنحتنا عالماً برقي محلي يضاهي العالمي، فابتسمت قلعة حلب وهي تتابع ما يليق بها، خصوصاً، وأن العلم السوري يزينها دائماً، والنشيد الوطني السوري يصدح بحناجرنا بين حجارتها التي لم تنسَ الشهداء مع احتفالية وزارة السياحة السورية بعامها الخمسين المصادف ليوم السياحة العالمي.
ثم انطلقت الفقرات ليكون بينها فيلم وثائقي يحتفي بسيرة ومسيرة وزارة السياحة السورية منذ تأسّست بمرسوم أصدره القائد الخالد حافظ الأسد قبل نصف قرن.
أجنحة موسيقية
وتوهج الصمت المتأمل وهو يصغي للمعزوفات والمقطوعات التي بدأت مع افتتاحية أوبرا “حلاق إشبيلية” (جواكيانو روسيني)، لتتوالى مع مختارات من متتاليات “كارمن” (جورج بيزيه)، تلتها معزوفة “أشجار الكرز المزهرة” (خانشادور أفيديسيان) لآلة الدودوك التراثية الأرمنية القريبة من القلب قدّمها الفنان محمد عزاوي مع الأوركسترا، ورافقته في المقطوعة التالية رقصة تعبيرية لثلاث فتيات من فرقة الشبيبة الأرمنية السورية، كما عزفت الفرقة السيمفونية للموسيقار نوري الرحيباني الذي يمازج بهارمونية السيمفونية الكلاسيكية مع الموسيقا العربية لينتج “رقصات سيمفونية شرقية”، منها “طالعة من بيت أبوها”، و”بنت الشلبية”، تخللتهما فقرة غنائية على شاشة العرض “العزوبية” للفنان صباح فخري، ثم تلتها مختارات من “باليه غايانيه” للموسيقار آرام خاتشادوريان: “البنات الورديات، رقصة سكان الجبال، ليزغينكا، رقصة السيوف”، وتصاعدت أشعة الموسيقا مع مقطوعة “كارمينا بورانا” (كارل أورف)، بمشاركة كورال الشباب السوري الأرمني والحضور الذي تشارك متفاعلاً بمحبة، وكأنه لا يريد لهذه الأمسية الأوركسترالية أن تنتهي.
سورية مقصد سياحي عالمي
وبهذه المناسبة، صرّح المهندس محمد رامي مرتيني وزير السياحة: هذا اليوم يصادف مرور الذكرى الخمسين للمرسوم التأريخي الذي أصدره القائد المؤسّس الخالد حافظ الأسد الذي وضع الأسس الحقيقية للقطاع السياحي في الجمهورية العربية السورية من كلّ النواحي، وبعد العام 2000، وبفضل القرارات الاستثنائية التي صدرت من قبل المجلس الأعلى للسياحة في جلسته التاريخية عام 2002 التي ترأسها السيد الرئيس بشار الأسد والتي أعطت أكبر دعم للقطاع السياحي، سواء في القطاع الاستثماري أو في قطاع البنة التحتية المرتبطة في القطاع السياحي، وأهمها تأهيل الكوادر البشرية وتأمين فرص العمل وقطاع التعليم السياحي، فتكاملت هذه الجهود، وتحوّلت سورية إلى مقاصد سياحية عالمية، وبعد الحرب، وبفضل بواسل الجيش العربي السوري والقيادة الحكيمة للرئيس الأسد، يعود النشاط السياحي، وأؤكد: أن فريق العمل المشترك بين الثقافة والسياحة يقوم بكل ما يستطيع لإنجاح هذه الفعاليات والجهود المشتركة؛ وأن السياحة والثقافة يتكاملان في إظهار الصورة الحضارية الحقيقية للشعب والدولة في الجمهورية العربية السورية.
السياحة والثقافة توءمان
وصرّحت د. لبانة مشوح وزيرة الثقافة: وزارة الثقافة، اليوم، تستضيفها حلب، ووجود الفرقة السيمفونية الوطنية حدث كبير، ولاسيما أنها تقدم في قلعة حلب، وكان هذا العرض مقرراً منذ زمن، وكذلك حفل القدود الحلبية، ولاسيما أننا سجلنا القدود على لائحة اليونسكو كتراث إنساني عالمي، ويترتب على ذلك التزامات من وزارة الثقافة بنشر القدود والاحتفال والتعريف بها وضمان استدامتها.
وتابعت: السياحة والثقافة توءمان، ونحن نضع منتجنا الآثاري، التأريخي، والمعماري، والثقافي الفني بكل أشكاله وألوانه، من مسرح وسيمفوني وموسيقا وفرق شعبية راقية وفرق راقصة، نضعها في خدمة السياحة لأن السياحة الثقافية مورد مهمّ جداً وجاذب جداً في كل العالم.
وأكدت: السياحة الطبيعية تجذب السياح، ولكنهم يريدون أيضاً السياحة الثقافية بكل ألوانها، وحلب مدينة لها في القلوب معزة خاصة، وانتهزنا هذه المناسبة، وأتينا مع السياحة إلى حلب لنحتفل معاً.
جماليات الوعي السوري
وعن هذه التماوجات الرهيفة، خصّ المايسترو ميساك باغبودريان “البعث” بالقول: لا أستطيع العيش دون موسيقا، وكذلك، حال أي إنسان، وهي مرآتنا النابضة بقلوبنا والتي تعكس جماليات وعينا للعالم، لأننا سوريون، والسوريون حضاريون ورغبتهم الدائمة التقدم والمحبة، وحياتهم لا تكتمل إلاّ بالموسيقا، وعملنا على فكرة كيف لفرقة الأوركسترا السيمفوني أن تقدم مقطوعات من التراث والفلكلور بروح شرقية مثل التمازج الذي قدمناه، مثلاً، بين “العزوبية” و”الشلبية”، والتي هي عبارة عن توزيعات أوركسترالية لمجموعة من الألحان سمّاها رحيباني رقصات سيمفونية عربية، وشكراً جزيلاً للجميع على الدفء الذي أعطونا إياه رغم حركة الهواء في القلعة التي سعدتُ بحضوري والفرقة على مسرحها الأثري لنعزف في هذه الاحتفالية.
أبعاد حضارية متقاطعة
أحمد الغريب مدير القلعة: عالم متقاطع الجمالية بين وزارة السياحة ووزارة الثقافة ومواقعنا الأثرية والتراثية المعتبرة منارات حضارية من خلال هذه الأعمال الفنية الأوركسترالية والمقامات الفنية الراقية المساهمة في الجذب السياحي الثقافي داخلياً وخارجياً، والمعبّرة عن عمق الثقافة الموسيقية العربية.
مازال مسرحنا التراثي فناناً
وعبّرت كارلا أودو من فرقة الكورال عن فرحها بمشاركتها الغنائية في مقطوعة “كارمينا بورانا” لأنه منحها إحساساً أدائياً مختلفاً في القلعة، مضيفة: لا أجمل من أن يكون في مدينتنا حلب مسرح تراثي ما زال يقدم الفن لأهل حلب والعالم.