أفريقيا بين حزمة الاستثمار الأوروبية ومبادرة “الحزام والطريق”
عناية ناصر
كثيراً ما تتحدث الولايات المتحدة والقادة الغربيين عن مساعدة أفريقيا، إلا أنه لا يوجد أية تحركات ملموسة على أرض الواقع، فقد أعرب تقرير نشرته صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” عن استياء القادة الأفارقة من أوروبا، مشيراً على وجه الخصوص إلى غياب معظم القادة الأوروبيين عن قمة “التكيف في أفريقيا “في مدينة روتردام في مطلع شهر أيلول الحالي، حيث حضر القمة رؤساء ستة دول أفريقية، بمن فيهم الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي والرئيس السنغالي ماكي سال، في حين حضر القمة شخصياً رئيس الوزراء الهولندي مارك روته فقط من بين الزعماء الأوروبيين.
أعرب الرئيس السنغالي صراحة عن خيبة أمله جراء هذا الموقف المتكبر، وهو بلا شك صدى للعقلية الاستعمارية للدول الغربية. و بغض النظر عن مدى تأكيدهما على إمكانات وأهمية إفريقيا، لم تعتبر الولايات المتحدة وأوروبا القارة ذات أهمية في الشؤون السياسية والاقتصادية الدولية. وعلى الرغم من نهاية الحقبة الاستعمارية، إلا شبح الاستعمار لا يزال قابعاً وسط قلوبهم، مما يجعلهم يفتقرون إلى احترام الدول الأفريقية.
الأمر الذي لا يزال عالقاً في أذهان الناس هو أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أشار إلى الدول الأفريقية على أنها دول “قذرة” خلال اجتماع في عام 2018 ، مما أثار إدانة بالإجماع من قبل المجتمع الدولي. كما أن فشل الزعماء الأوروبيين في حضور إجتماع أيلول ليس المرة الأولى التي يهينون فيها نظرائهم الأفارقة، ففي قمة الاتحاد الأوروبي وأفريقيا التي عقدت في بروكسل في شهر شباط الماضي، تمت دعوة حوالي 40 من القادة الأفارقة من قبل الاتحاد الأوروبي، ولكن ورد أن رئيس الوزراء البلجيكي فقط كان حاضراً من الجانب الأوروبي، وفقاً لصحيفة ” ساوث تشاينا مورنينغ بوست”.
لم تفاجئ أوروبا إفريقيا فقط من حيث المجاملة، ولكن الخطة التي خرج بها ذلك المؤتمر ربما تكون بمثابة خيبة أمل إفريقيا مرة أخرى، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي، خلال الاجتماع، عن استثمارات بقيمة 150 مليار يورو في إطار حزمة الاستثمار للبوابة العالمية بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا بقيمة 300 مليار يورو باعتبارها أبرز أحداث القمة. ومع ذلك، كان هناك نقاد للخطة منذ نشرها، حيث يُنظر إلى الحزمة على نطاق واسع على أنها “نمر من ورق” وسط المنافسة مع مبادرة “الحزام والطريق” الصينية لأنها تتكون فقط من مزيج من الالتزامات الحالية من مؤسسات التنمية الأوروبية المالية.
بالإضافة إلى ذلك، بعد أكثر من سبعة أشهر من الالتزام، لم يُلاحظ أي تقدم كبير في هذه الخطة بسبب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والأزمات الاجتماعية الحالية في أوروبا. وكما قال وزير الأشغال العامة السابق في ليبيريا، جيود مور: “هناك تاريخ طويل من الالتزامات التي لم يتم الوفاء بها، لكن ذلك كان متوقعاً”.
اعتادت الدول الغربية على إطلاق وعود خلبية، ورسم صورة وردية للدول النامية دون تقديم أي مساعدة ملموسة، فكل قرش تنفقه هذه القوى الاستعمارية القديمة في إفريقيا هو إما لتوطيد نفوذها أو لتعزيز اعتماد البلدان الأفريقية عليها. لقد ولت الحقبة الاستعمارية، والبلدان الأفريقية تعي جيداً حسابات البلدان التي استعمرت القارة لقرون، وكذلك نواياها تجاه أفريقيا الآن، والتي لا تعدو أن تكون مصادرة الموارد وتعزيز سيطرتها.
في الماضي، كان لدى الدول الأفريقية خيارات محدودة، وكانت تعتمد على التمويل الغربي، لكن الوضع مختلف تماماً الآن، فقد خطت الدول الأفريقية خطوات كبيرة في العقود التي تلت الاستقلال. بالإضافة إلى ذلك، فإن صعود الدول، بما في ذلك الصين، منحها بديلاً عن الدول الغربية.
مع ازدهار العلاقات بين الصين وإفريقيا، وزيادة التجارة الإجمالية عاماً بعد عام، ازداد تشويه سمعة الصين من قبل الغرب، لكن القادة الصينيين يذكرون على الدوام أن الصين لم تتعاون مع إفريقيا بهدف “التنافس مع الغرب”، وهذا يدل على أن التعاون الصيني الأفريقي لم يوجه ضد طرف ثالث، بل كان رغبة في جذب جميع القوى لتحسين بيئة الاستثمار في إفريقيا، وفقاً لما ذكره هي ون بينغ، مدير قسم الدراسات الأفريقية في معهد دراسات غرب آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية .
لقد أدركت الدول الأفريقية، من خلال التعاون طويل الأمد الفرق بين الصين والغرب، ومن وجهة نظر الصين، إفريقيا قارة ذات إمكانيات غير محدودة، وإمكانيات عالية للتنمية، ولهذا السبب استمرت في الاستثمار هناك، بدلاً من النظر إليها بشفقة واعتبارها “ندبة على جبين العالم”.