الحلفاء الأوروبيون مدرجون أيضاً في قائمة المنافسين
هيفاء علي
تظهر التوترات، والصراعات، والمتغيرات الدولية التي تحدث في السيناريو العالمي بشكل لا يقبل الجدل مرحلة تعديل موازين النظام الدولي التي يمر بها العالم، لدرجة دفعت المراقبين الى التحدث عن نشوب حرباً عالمية جديدة درات رحاها منذ فترة طويلة، بسبب رغبة الولايات المتحدة، كقوة عظمى مهيمنة، في الحفاظ على قيادتها المفقودة على الساحة الدولية.
تقوم الولايات المتحدة يائسة للحفاظ على قيادتها من خلال الأعمال المدمرة ليس فقط ضد خصومها، ولكن أيضاً ضد حلفائها في كل اتجاه ممكن، ويتجلى ذلك في النزاعات المسلحة، والاعتداءات العديدة حول العالم التي تحرض عليها الولايات المتحدة، والعقوبات المفروضة على الدول التي ترفض على الدوام الامتثال لتوجيهات وتعليمات واشنطن ولا تقبل أن تكون دمى في يد القوة العظمى الأمريكية. ناهيك عن أن هذه العقوبات تُفرض في انتهاك صارخ للمعايير والقوانين الدولية ودون موافقة المنظمات الدولية. وفوق ذلك، لا تهتم واشنطن بموقف هذه الدول، ولا تهتم بالآثار المدمرة التي تحدثها هذه العقوبات في كثير من الأحيان على شعوبها، بل على العكس من ذلك تفرض إملاءاتها، وتشعر بأنها الحكم والشرطي في العالم تجاه أولئك الذين لا يلتزمون بقواعدها. ورغم ذلك، يتزايد عدد الدول التي تتحدى هذه السياسة، وتنأى بنفسها عن قرارات الولايات المتحدة وحلفائها على أساس مصالحها الوطنية، كما يتضح من رفض معظم الدول حول العالم الانضمام إلى العقوبات العدائية ضد روسيا. وفي مواجهة ظهور قوى جديدة، كالصين وروسيا والهند، تحاول الولايات المتحدة تهميش الدول التي ترفض الانضمام إلى هيمنتها السياسية والمالية والعسكرية، عن طريق سياسة الابتزاز والعقوبات، لكنها تصطدم بجدار صلب، اذ تصمم النخبة الحاكمة في واشنطن على إبقاء العالم أحادي القطب إلى الأبد، لأنه أفضل شرط للحفاظ على الهيمنة.
وبحسب المراقبين، يعلم المحتكرون أنه لا يوجد شيء أفضل من الاحتكار المضمون إلى الأبد، وهذا ما يسمح لهم بتكديس الكثير من الأرباح، وطباعة الدولارات حسب الرغبة لتمويل مستوى استهلاكهم، وتمويل حروبهم والعيش على ظهور الآخرين. وعلى الرغم من أن الاستراتيجية المعلنة للسياسة الخارجية الأمريكية لا تذكر رسمياً سوى روسيا والصين كخصوم، فإن استراتيجيتها الأساسية تشير بالتأكيد إلى أن الحلفاء الأوروبيين، مدرجون أيضاً في قائمة المنافسين، هذا دون التطرق الى الحديث عن التبعية والعبودية، التي انتقدها بشدة كثير من المحللين الأوربيين، فقد فعلت واشنطن كل ما هو باستطاعتها لعرقلة وإضعاف الوحدة الأوربية على أساس مبدأ ” فرق تسد”، وسعت بشكل خاص لتقليص قدرة الصناعة الألمانية التي تعتبرها منافس قوي لصناعتها.
وكان الخطر الأكبر بالنسبة لواشنطن هو الالتحام بين القدرة الصناعية والتكنولوجية الألمانية، وقوة الطاقة والتعدين في روسيا. لذلك، كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة بأكملها تهدف إلى خلق أعمق شقاق ممكن بين روسيا وأوروبا، والصراع في أوكرانيا، الذي حرضت عليه واشنطن وأثارته، يخدم هذا الغرض: أي قطع العلاقات مع روسيا وجعل ألمانيا وأوروبا تعتمدان كلياً على الولايات المتحدة. ومع وضع هذا الهدف في الاعتبار، كان من الضروري لواشنطن أن تعزز صعود شخصيات بلهاء للغاية وسهلة المناورة مثل أورسولا فون دير لاين، وتشارلز ميشيل، وجوزيب بوريل إلى مناصب رفيعة في المؤسسات الأوروبية، حتى تتمكن من التأثير على السياسة الأوروبية في اتجاه مصالح الولايات المتحدة، وفي تجاهل تام لمصالح أوروبا ككل، ومصالح بلدانها الأصلية.
إن السيطرة التي تمارس على المنافس المحتمل للولايات المتحدة، ألمانيا، هي أكبر بفضل زعيمها، أولاف شولتز، على حد تعبير المراقبين، وجهود الضغط المناهضة لروسيا والموالية للولايات المتحدة التي يبذلها حزب الخضر، وهو طابور خامس أمريكي بامتياز. ففي ألمانيا تم الترويج للحرب ضد روسيا في وسائل الاعلام الرسمية التي تتهم الحكومة بالتردد في إمداد أوكرانيا بالسلاح، وقد خلقت حملة الدعاية والتضليل الضخمة التي نفذتها وسائل الإعلام الألمانية إحساساً قوياً بـ “الخوف من روسيا” في أوروبا، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التنصل من جميع الاتفاقيات الاقتصادية القائمة مع موسكو، وتعليق واردات الطاقة من روسيا، الأمر الذي أدى الى إلحاق الضرر بالقدرة التنافسية للنظام الصناعي الأوروبي، وزعزعت استقرار الوضع السياسي والاجتماعي للدول الأوروبية، وتقليص قدرتها التنافسية، وهذا بالضبط ما أرادته واشنطن.
وهنا يشير المراقبون إلى أن تداعيات أزمة الطاقة الناجمة عن العقوبات المفروضة على روسيا، التي تريدها واشنطن، سيكون لها الأثر الأكبر في الشتاء المقبل، وبعد ذلك سيرى العالم الاحتجاجات في الشوارع، وقمع الحكومات لشعوبها لصالح المصالح الأمريكية.