أخبارصحيفة البعث

هل يسهم اليمين الإيطالي بإنقاذ أوروبا من الغرق؟

تقرير إخباري:

منذ أن بدأت تداعيات وباء كورونا والتوقعات تتزايد حول وصول اليمين إلى السلطة في معظم دول أوروبا، فالمواطن الأوروبي يريد من ينقذه من أزماته الاقتصادية وعلى رأسها التضخّم، وخاصة بعد زيادة أعداد المهاجرين إلى أوروبا من مختلف دول العالم واستفحال مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية.

واليوم يزداد تطلّع الأوروبيين إلى اليمين بعد الأزمات التي انزلقوا إليها على خلفية العقوبات المفروضة على روسيا بحجة عمليتها الخاصة في أوكرانيا، ويظهر ذلك جلياً في انتخابات رئاسة الوزراء الإيطالية مع توقعات كبيرة بفوز اليمين المتطرّف بزعامة جورجيا ميلوني، فوصولها إلى السلطة قد يؤدّي إلى إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنوياً عشرات آلاف المهاجرين غير القانونيين الذين يعبرون البحر في مراكب هرباً من البؤس في أفريقيا.

ميلوني انتسبت إلى جماعات يمينية متشدّدة بعمر 15 سنة، وفي عام ٢٠٠٨ عيّنها عرابها سيلفيو بيرلسكوني كأصغر وزيرة في تاريخ إيطاليا وكانت ضمن حزب اليانزا ناشيونال الذي انهزم بعد عامين.

وأسّست ميلوني حزب إخوان إيطاليا وترأست هذا الحزب الذي لقي الدعم من الشباب اليميني المتطرف، وهي تقلل في خطابها السياسي من جدوى الوحدة الأوروبية.

لقد نجحت ميلوني المعجبة بموسوليني في جعل حزبها مقبولاً كقوة سياسية وطرح المسائل التي تحاكي استياء مواطنيها وإحباطهم ببقائها في صفوف المعارضة، في حين أيّدت الأحزاب الأخرى حكومة الوحدة الوطنية بزعامة ماريو دراغي.

وإذا فازت ميلوني ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتولّى فيها اليمين المتطرّف قيادة الدولة المؤسسة للاتحاد الأوروبي، وفي أقل من عام ستكون الاقتصادات الثلاثة الأولى في الاتحاد الأوروبي قد غيّرت رؤساء الدول أو الحكومات، ففي كانون الأوّل 2021 أحضر الألمان أولاف شولتس إلى المستشارية في برلين، وفي نيسان أعاد الفرنسيون إيمانويل ماكرون إلى الإليزيه، وفي 25 أيلول سيكون دور الإيطاليين لانتخاب البرلمان الذي سيعيّن رئيس حكومة خلفاً لحكومة دراغي.

إن إيطاليا لاعب مهم على الساحة الدولية وعضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي وعضو في مجموعة الدول السبع الصناعية، وعضو مؤسس في وقت مبكر لحلف (الناتو)، وموافقتها ضرورية لاتخاذ أية حزمة عقوبات ضد روسيا، ولكن ميلوني ستضع نصب عينيها مصالح إيطاليا لا مصالح أمريكا وغيرها من دول أوروبا، إذ حذّرت ميلوني خلال حملتها الانتخابية قائلة: “الكل قلق في أوروبا لرؤية ميلوني في الحكومة.. انتهت الحفلة، وستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها الوطنية”.

وإذا وصلت ميلوني إلى السلطة فهناك تحدّيات ستواجهها وعليها معالجة الأزمة الناجمة عن الارتفاع الحادّ في الأسعار، في وقت تواجه فيه إيطاليا ديناً يمثل 150% من إجمالي ناتجها المحلي، وهي أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان، وبحاجة ماسة من أجل الاستمرار إلى المساعدات التي يوزّعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته للإنعاش الاقتصادي بعد وباء فيروس كورونا، حيث يمثل هذا البلد أول المستفيدين منها وبفارق كبير عن الدول الأخرى.

وبالمحصلة، فإن نجاح ميلوني في الانتخابات ونجاحها في تخفيف العقوبات على روسيا والضغط على أوكرانيا للتوجّه نحو السلم ربما يصلح ما أفسده ساسة روما، وينقذ ليس شعبها فقط من مؤامرة أميركية على الاقتصاد، بل الشعب الأوروبي بأسره المحتجز كرهينة يتم الضغط عليه للانتحار الاقتصادي من أجل تنفيذ عقوبات غربية مجنونة (ضد روسيا) في ملف لن يجلب عليها سوى المزيد من الضياع.

 

 بشار محي الدين المحمد