العالم وخريطته الجديدة
أحمد حسن
العالم يتغيّر بسرعة غير مسبوقة، والمفارقة أن واشنطن في سعيها المحموم للحفاظ على صورته السابقة، كساحة خلفية لها – حسب وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف – تساهم في تغييره، وإذا كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على الجغرافيا السياسية للعالم، فإن الجغرافيا الطبيعية لن تسلم بدورها من هذا الأمر، وبالطبع ستأتي العاصفة القادمة على أحلام جميلة كـ “العولمة” التي سال فيها وحولها حبر كثير خلال العقد الأول من القرن العشرين، وقبله أيضاً.
ماركو كارنيلوس، الدبلوماسي الإيطالي السابق، اعتبر في مقال نشره في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن “النظام العالمي الحالي يبدو في طريقه للأفول، بينما لا يوجد تصوّر واضح حتى الآن عن طبيعة النظام المقبل الذي يتشكّل حالياً”.
قبله لخّص زولتان بوزار، من بنك “كريدي سويس”، بعض أسباب هذا التحوّل بالقول: “إن العولمة كان يغذيها الغاز الرخيص من روسيا إلى أوروبا والمنتجات الرخيصة من الصين إلى الولايات المتحدة، والتي حافظت على الحلم الاستهلاكي الأمريكي”، لكن “بعد عزلها عن الطاقة الروسية الرخيصة، ستتبنى أوروبا بدائل أكثر تكلفة بكثير، بينما تنفصل الولايات المتحدة والصين عن بعضهما البعض بشكل متزايد، دون اهتمام بالآثار التي يمكن أن تنجم عن قطع سلاسل التوريد والتدفقات المالية”.
النتائج بدأت بالظهور، ففي أوكرانيا يبدو أننا نتجه نحو جدار فاصل مشابه لجدار برلين الشهير الذي “بنته” قذائف و”جماجم” الحرب العالمية الثانية، وهذا تغيّر مزدوج، جغرافي طبيعي وجيوسياسي في الآن ذاته، وبالطبع سنرى ارتداداتٍ هذا “الزلزال” في العالم بأسره، ويبدو أن “موجة” منها ضربت يوم الأحد في قلب أوروبا – انتخابات إيطاليا – الأمر الذي ينذر بـ “احتمال فتحها ثغرة أخرى في جدار المشروع الأوروبي”، لكن الخطر ليس في انعكاس ذلك على “وحدة الصف في مواجهة التحدي الروسي”، كما يحاول الاتحاد الأوروبي الإيحاء، بل في حقيقة أن الحزب الفائز هو من “مريدي” موسوليني حليف هتلر في الحرب العالمية الثانية، وهذان تحديداً من بدأا بتمزيق خارطة أوروبا التي رسمتها الحرب العالمية الأولى.
كارنيلوس، ذاته، يشير إلى موجة ارتدادية أخرى حاولت وسائل الإعلام الغربية تجاهلها أو التغطية عليها في “تغطيتها” لقمّة منظمة شنغهاي للتعاون” الأخيرة “حيث كانت، هذه الوسائل، تبحث عن أي إشارات للانقسام بين الصين وروسيا”، بينما الواقع “أن هناك طابوراً طويلاً من الدول الراغبة في الانضمام إلى المنظمة”، وبعضها، وهنا موقع الخطر، من حلفاء واشنطن العريقين.
مجلة “الإيكونوميست”، بما ومَن تمثّل، اعترفت مؤخراً أن موسكو وبكين و”إن كان لديهما وجهات نظر مختلفة حول العديد من القضايا، لكنهما على متن القارب نفسه”.
موجة ثالثة، ومهمّة، ولدت في العاصمة الهندية “نيودلهي” التي رفضت ضغوط واشنطن لخفض استيراد السلاح والنفط من روسيا. المتحدثة باسم وزارة الخارجية الهندية أريندام باجشي قالت: “إن الهند ليست دولة يمكن الضغط عليها وموقفها ينبع من رؤيتها الخاصة ومصالحها بشأن ما تريد القيام به”، هذا أمر لم يكن وارداً بهذه الصورة واللهجة سابقاً.
إذاً العالم يتغيّر، منبر الأمم المتحدة قدّم، ولو لفظياً، الدليل على ذلك، أما دلائل “الكواليس” فقد كانت أكثر عملية، منها مثلاً، وهذا ما يعنينا، اتساع مروحة لقاءات وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد، وتحديداً العربية منها، ثم تقديمه عبر “قناة روسيا اليوم” خريطة طريق واقعية وسلسة و”طبيعية”، ووطنية أيضاً، لإخراج التركي، كجار تقليدي وشعب صديق، من ورطته السورية، وورطته الإرهابية، وإلا فإن مصير أراضينا المحتلة، ومنها محافظة إدلب “مرتبط بنضال الشعب السوري الذي لن يترك ذرّة تراب خارج سيطرة الدولة”.
نحن أيضاً نصنع الخرائط ونسعى لكي تضمّ الجميع من أجل الجميع، والكرة في مرمى الآخرين..