ثقافةصحيفة البعث

الفكر الليبرالي في ثنائيات طه حسين الثقافية

آصف إبراهيم

اشتهر الأديب والمفكر طه حسين بحسّه النقدي العقلاني، وتحرير الفكر من أسر التقاليد، ومناداته بإعمال الشكّ بكلّ ما نقرأ بعيداً عن العواطف، الأمر الذي ألّب عليه الكثير من الألسن والأقلام التي وقفت منه موقف الخصم اللدود، ولاسيما بعد صدور كتابه النقدي الشهير “في الشعر الجاهلي” بدايات القرن الماضي.

وحتى بعد رحيله، ظلت أعمال طه حسين محطّ سجال ونقاش ودراسات متناقضة، تحكمها الأهواء والميول الايديولوجية والفكرية، تناول بعضاً منها الباحث والناقد عطية مسوح في محاضرته “الفكر الليبرالي وثنائيات طه حسين الثقافية” التي ألقاها أمس الاثنين في مقر رابطة الخريجين الجامعيين بحمص، وبدأها بلمحة تاريخية عن نشأة الفكر الليبرالي العربي الذي بدأ بالظهور مع رفاعة الطهطاوي، بعد عودته من باريس ووضع كتابه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، وبدايته في بلاد الشام مع بطرس البستاني، الذي عاصر الطهطاوي، رغم الفرق الكبير الذي ميّز التيارين، حيث تميّز الأول بحداثة مصرية، لا تطلعات عربية له عكس ليبرالية بلاد الشام.

وتطوّرت الليبرالية العربية مع جيل المفكرين الثاني الذي كان أحمد لطفي السيد أبرز مفكريه، الذي كتب مقالات كثيرة تمجّد الحرية بجوانبها المختلفة.

ويأتي اختيار عطية مسوح لطه حسين لأنه يمثل أبرز مفكري الجيل الثالث الليبرالي، والأكثر أهمية، وخاصة بعد صدور كتابه الإشكالي “في الشعر الجاهلي”.

من يقرأ طه حسين يجد أنه طرح برنامجاً شبه متكامل، ووضعه من خلال ثنائيات حدّدها مسوح في أربع ثنائيات التزم حسين في عرض أفكاره من خلالها وهي القديم والجديد، الشك والتسليم، العدل والحرية، العلم والدين، ومن خلال دراسة هذه الثنائيات يضع مسوح يده على منظومة فكر عميد الأدب العربي.

في الثنائية الأولى يعتبر طه حسين أن القديم يمهّد الطريق للجديد الذي يؤسّس على القديم دون أن ينفيه، تناول حسين هذه الثنائية في أكثر من كتاب، واقترنت بمقولة أخرى هي الإصلاح، وكان أول ما طرحه في مشروع الإصلاح إصلاح الأزهر في كتابيه “من بعيد” و”في الصيف”، هذه المسألة أتت على طه حسين بالكثير من الغضب من قبل المتمسّكين بالقديم وذوي المصلحة في بقاء الجمود.

الثنائية الثانية الشك والتسليم وهي الأهم عند طه حسين، فقد أدخل منهجاً جديداً في دراسة الأدب والتاريخ وهو منهج الشك، وأعلن ذلك في مقدمة كتابه “في الشعر الجاهلي” واستند في ذلك إلى منهج المفكر الفرنسي رينيه ديكارت.

الثنائية الثالثة العدل والحرية نوّه بها في كتابه ألوان، حيث يرى أن مزيداً من الحرية يعني قليلاً من العدل والعكس صحيح، والصراع بين العدل والحرية قديم ومستمر، وسّع طه حسين مفهوم العدل في الفكر الليبرالي العربي.

الثنائية الرابعة العلم والدين وعبّر عنها في مقال بعنوان “بين العلم والدين” الذي نُشر بعيد النقاش الواسع الذي أثاره كتابه “في الشعر الجاهلي”، وفيه يرى أن الدين ليس هو على خصومة مع العلم، لكن سبب الخصومة هو تدخل السياسة، وتدخل قديم بدأ مع شك سقراط ثم جاء بعده أفلاطون ثم أرسطو واستمر بعدهما.