بريطانيا واليابان تكرران اللعبة
عناية ناصر
يبدو أن قادة كلّ من المملكة المتحدة واليابان قد كرّروا قواعد اللعبة بين البلدين في التعامل المشترك مع الصين منذ 120 عاماً، حيث وقعت بريطانيا واليابان في عام 1902، معاهدة التحالف “الأنغلو يابانية”، خدمة لأهدافهما، بما في ذلك حماية مصالح كلّ منهما في الصين، لكن حيلهم تجاه الصين لن تنجح نظراً لأن البيئة الدولية وقوة الصين بعيدان كلّ البعد عما كانتا عليه قبل 120 عاماً.
كانت المملكة المتحدة واليابان قد اتفقتا خلال الاجتماع الأول بين رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس ونظيرها الياباني فوميو كيشيدا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الحالية، على التعاون في معالجة ما يُسمّى “التهديد الاستراتيجي الذي تشكله الصين”، وفقاً لتقرير إعلامي.
وحسب يانغ شي يو، الباحث البارز في معهد الصين للدراسات الدولية “فإن مثل هذا الخطاب العدائي على خلفية ما يعتبره البعض من أن خلق دوائر صغيرة متنوعة قائمة على الجغرافيا السياسية هو أمر شائع في الغرب”. وأضاف بالقول: “إن حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عام 2019، بأنه “ميت سريرياً” يستغل أزمة أوكرانيا الحالية في محاولة لإحياء نفسه، ولمدّ توسعه إلى آسيا والمحيط الهادئ كي يصبح كتلة معولمة. كانت اليابان والمملكة المتحدة سباقتين في دفع الناتو لتحقيق العولمة الخاصة به”.
تميل بريطانيا، التي لا تزال غارقة في المجد القديم لـ”الإمبراطورية التي لا تغرب فيها الشمس أبداً”، إلى الاعتقاد بأنها ما زالت قادرة على إحداث تغيير في الشؤون الدولية، حيث يتمثل طموح لندن الاستراتيجي بعد “البريكست”، في أن تصبح قوة عالمية كبرى. ونتيجة لذلك، يبدو أن المملكة المتحدة بذلت جهوداً أكبر لدفع حلف الناتو المعولم لإثبات وجودها الاستراتيجي، وتعزيز نفوذها ومكانتها العالمية، كما أشار يانغ.
تبدو اليابان، التي لديها رغبة مماثلة لرغبة المملكة المتحدة في أن تصبح قوة عالمية، وتعزيز قوتها الخطابية في جميع أنحاء العالم، حريصة أيضاً على المساهمة في توسيع الناتو إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة على تخومها.
مع احتياجاتهما الإستراتيجية المشتركة، أصبح تضخيم ما يُسمّى بـ”التهديد الصيني” وسيلة ضغط مهمة للمملكة المتحدة واليابان لتحقيق أهدافهما. علاوة على ذلك، أدلى قادة المملكة المتحدة واليابان -الأخوة الصغار للولايات المتحدة- بهذه التصريحات في نيويورك لاعتبارات تتعلق جزئياً بترديد استراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء الصين.
إن رغبة اليابان والمملكة المتحدة في دفع الناتو المعولم هي في الواقع بتنسيق مع الولايات المتحدة، لأن ما تريده واشنطن من استراتيجية آسيا والمحيط الهادئ إلى استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ، هو دمج الموارد الاستراتيجية لكلّ من المحيطين الهندي والهادئ لاحتواء صعود الصين. وبالتالي، يمكن النظر إلى هذا الإجماع الذي توصل إليه تراس وكيشيدا تجاه الصين على أنه ردهما المشترك على تحويل الولايات المتحدة لتركيزها الاستراتيجي نحو الشرق.
من الجدير بالذكر أن وزيري خارجية الصين واليابان ألقيا خطابين في 12 أيلول الجاري احتفالاً بالذكرى الخمسين لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليابان، وعند شكر نائب الرئيس الصيني وانغ كيشان، الممثل الخاص للرئيس شي جين بينغ، على حضور جنازة الملكة إليزابيث الثانية، قالت نائبة رئيس الوزراء البريطاني تيريز كوفي إن الحكومة البريطانية الجديدة تأمل في تعزيز التعاون مع الصين في مجالات متعدّدة.
لفت هذا النوع من “الفصام” للسياسة تجاه الصين التي تبنّتها كلّ من الحكومتين البريطانية واليابانية انتباه بعض المراقبين للشؤون الدولية الذين قالوا: “تعتقد المملكة المتحدة واليابان أنه يمكنهما استفزاز الصين دون تقويض مصالحهما الخاصة أو تعاونهما مع الصين، لكن على ما يبدو أنه مجرد تمنٍّ ومهمة مستحيلة”!.
قد يقوم بعض السياسيين الغربيين، على المدى القصير، خدمةً لأهدافهم السياسية، باستفزاز الصين، لكن على المدى المتوسط والطويل، وبينما تعمل الصين على تحسين شؤونها وتصبح أكثر نفوذاً وقوة، سيُجبر هؤلاء السياسيون حتماً على تعديل سياساتهم.
هناك قول مأثور في الصين يقول: “الشرير يفكر في الآخرين وفق منظور رغباته الخاصة”، وهذا توصيف دقيق لتصوير عقلية البلدين.