سورية في الأمم المتحدة.. تثبيت للانتصار
لم تكن الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد في مقر الأمم المتحدة كلمة عابرة بين الكلمات التي ألقيت هناك، فقد عبّرت هذه الكلمة أشدّ تعبير عن أن سورية الآن هي سورية ذاتها قبل الحرب الكونية التي شنّها عليها حلف شمال الأطلسي عام 2011، باستخدام الإرهابيين وشذّاذ الآفاق والأنظمة الرجعية العربية، بل وأقوى!!
فاللغة التي تحدّث بها الوزير تؤكد أن موقف سورية المعلن من جميع القضايا الدولية لم يتغيّر، وأن جميع محاولات “تدجين سورية”، سواء أكان عبر الترغيب أم الترهيب، باءت بالفشل، فالموقف السوري من القضية الفلسطينية لم يتغيّر بل تقدّم بإعلان تأييد سورية للعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، فضلاً عن أنها لم تتراجع قيد أنملة عن المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني الكاملة بدولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وكل ما يتعلّق بالحقوق العربية المغتصبة من الكيان الصهيوني.
أحد عشر عاماً من الإرهاب المتواصل، بجميع أشكاله السياسي والاقتصادي والعسكري والدبلوماسي والفكري، لم تتمكّن من تغيير بوصلة سورية أو حرفها عن مبادئها ومواقفها تجاه جميع القضايا الدولية، وكان الهدف الأساسي من الحرب الإجرامية التي شُنّت عليها حرف بوصلتها وتطويع مواقفها، وهذا بالضبط ما جعل الأعداء قبل الأصدقاء يقرون بحجم الصمود الأسطوري لسورية شعباً وجيشاً وقيادة، ويدرجونه في حساب قوتها.
وبعد نحو تسع سنوات من تصريح السيد الرئيس بشار الأسد حول أن سورية تقع على فالق زلزالي جغرافياً وسياسياً واجتماعياً وأيديولوجياً، يجد العالم نفسه اليوم واقفاً بالفعل على نتائج اللعب في هذا الفالق الزلزالي، حيث انتشر الإرهاب في سائر أنحاء العالم بسبب الفوضى المدعومة من الغرب في سورية، وتضخّمت أزمة اللاجئين في أوروبا وباتت تهدّد بسقوط حكومات، بل إن هناك حكومات غربية تغيّرت، فضلاً عن صعود اليمين المتطرّف إلى سدة الحكم في عدد من البلدان، وكل ذلك بسبب وجود سورية على هذا الفالق.
خروج طائر الفينيق السوري من تحت الرماد بعد عقد من الإرهاب المنظّم والممنهج الذي دعمه الغرب بكل الوسائل المتاحة، وأمّن له التغطية السياسية والإعلامية، كان له وقع الصاعقة على الدول التي دعمت هذا الإرهاب، فحديث وزير الخارجية السورية لم يكن مجرّد توثيق لما حدث، بل هو إشعار بأن الحرب التي بدأها الغرب في سورية لم تحقّق أيّ هدف من الأهداف المعلنة لها، بل جاءت بنتائج عكسية، حيث ارتدّت آثارها السلبية إلى داخل الغرب المتحضّر وكشفت عورته، وخاصة فيما يتعلّق بتشريعاته الأخيرة حيال اللاجئين، بعد فشل الاستثمار الممنهج لقضيّتهم طوال الفترة الماضية في استهداف الدولة، بل إن حديث سورية القديم الجديد عن ضرورة دعم قيام نظام عالمي متعدّد الأقطاب كان تذكيراً للغرب بأن كل ما سعى إليه لإثبات هيمنته على العالم عبر خلق الفوضى في سورية وغيرها من الدول باء بالفشل، لأن الحالة الطبيعية هي أن يتغيّر العالم بعد صعود قوى محبّة للعدالة والسلام في كل من روسيا والصين وإيران.
ولا نريد أن نقول: إن كلمة سورية على منبر الأمم المتحدة هي بمنزلة إعلان انتصار، لأن هذا الانتصار تحقق فعلاً بصمود سورية ضدّ الإرهاب وداعميه طوال السنوات الماضية، ولكن نقول: إن الحضور السوري في الأمم المتحدة هذا العام وهذه العودة القوية أنهت كل أحلام الطامعين بتغيير بوصلة سورية، ومثّلت هزيمة فعلية لمخططات أعدائها.
طلال ياسر الزعبي