شكراً سوريتنا الحبيبة المبدعة
غالية خوجة
سوريتنا الحبيبة، وطننا، مبدعة منذ وجود أول ذرة تراب لها على الأرض، وتاريخها العريق، وحضارتها المشرقة دائماً وأبداً، يشهدان على ذلك كما يشهد العالم أجمع.
سورية المبدعة تهتمّ بالإبداع وشخصياته، كما تجعل من حرية الأفكار والإبداع بوصلة لها، لأنها، ببساطة، أمّ المتغيّرات الإيجابية، وفينيق الأبدية، واسمها الشمس الأزلية، لأنها مصدر النور للشرق والغرب معاً، وهذه نعمة ربانية، دفعت ما لا يحصى، أفراداً ودولاً، لأن يجعلوا من أنفسهم أعداء لها وخونة ومدمرين، ولأن الله منحها مباركة سيد الأنبياء، فإنها ستظلّ سورية المبدعة التي تمنح ترابها وفضاءها وأبناءها والعالم هذه الروح النورانية.
سورية تنجبُ المبدعين وتكرمهم وتحتفي بالمبدعين العرب والأجانب، وكم اختارتها شخصيات إبداعية فارقة لتكون مقرّها الأخير سكناً ومدفناً، ومنهم الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، وكلّ من عبد القادر الجزائري، محمد مهدي الجواهري، عبد الوهاب البياتي، وغيرهم الكثير.
لأسباب كثيرة، تختار الشخصيات الأبدية من سورية عموماً، ودمشق خصوصاً، أرضاً طيبة لحياتها وأرواحها لأنها أرض حقيقة العطاء، تحبّ الإخلاص والوفاء، حرة بأفكارها العالية الإنسانية والوطنية، مجبولة على المحبة والأمان والسلام، وتزهر المحبة والأمان والسلام، ويشعرُ قلب الإنسان بجاذبيتها المختلفة عن باقي أصقاع الأرض، لدرجة أن العناصر الكونية تعامل فيها الإنسان بطيبة ومحبة وإبداع.
الوقت أجمل في سورية، العمر أجمل في سورية، الذكريات أجمل في سورية، القلب أجمل في سورية، الحياة والممات أجمل في سورية، والإبداع أجمل في سورية التي تحتفي بالإبداع والمبدعين، فتقيم لهم النصب التذكارية في كلّ مكان، في الجامعات، والحدائق، والأماكن العامة المختلفة، وتناقش أعمالهم من خلال الأمسيات والندوات، وتصدر عن أعمالهم المؤلفات إضافة إلى طوابع البريد والتفاصيل التذكارية الأخرى، وليس آخرها، بكل تأكيد، الطابع الذي أصدرته المؤسّسة السورية للبريد تكريماً للفنان التشكيلي والكاتب فاتح المدرّس بمناسبة مئوية ميلاده، والملفت الاحتفاء بالميلاد، لما له من دلالات تأثيرية نفسية وإبداعية مستمرة، لأن المبدع يظلّ في حالة ولادة، أي أنه لا يموت سوى فيزيقياً، بينما آثاره الإبداعية تستمر عبْر الأزمنة والأمكنة ملامسة كل إنسان مهما كان عرقه وجنسه وعمره ولغته وبنيته الاجتماعية.
واحتفاء بفاتح المدرّس وطابعه نذكر أنه انطلق مع لوحاته الأقرب إلى السوريالية والتي عُرضت في مكتبات شارع بارون بحلب وجذبت إليها العابرين، لتستوقفهم وتخبرهم بأن هناك حكايات وقصصاً لونية لا يعرفونها سابقاً، فتداخلت أصوات الظلال مع سرديات الضوء، وتدرجت الحركة الداخلية للضمائر والشخوص والعناصر التي تضمها اللوحات بين هواجس المدرّس لتعكس فلسفته المتداخلة مع كتابته بين الشعر والقصة، وللمتأمل لألوانه وخطوطها أن ينتبه إلى الفراغ ككتلة تحكي ما يخفيه اللون.
سورية وطننا تطوي أجنحتها وهي تضمّ أبناءها وتحلق بهم وبكل من يقصدها وهو محب، وهو يشعر بالأمان والطمأنينة حتى في حالة الحرب الكونية الإرهابية التي مرّت عليها، وضحّى لأجلها الشهداء والجرحى والمواطنون، وأصبحوا من ذاكرتها الخضراء الدائمة، وعيونها الخضراء دائماً، جاعلين من التراب لوحة تشكيلية تلونها الدماء والنبضات وقلوب الأمهات والأطفال والأخوة والأخوات، والفقراء مادياً الأغنياء وطنياً، المتشبثون كما الجذور العتيقة، بهذه الأرض وهذه السماء التي تفوح برائحة الياسمين والإعمار والمحبة وتقديس الأرض والعلم والإبداع.
شكراً سوريتنا الحبيبة المبدعة، شكراً لكلّ ذرة تراب، لكلّ قطرة دماء، لكلّ حرف ينزف ألماً وعملاً وحلماً وأملاً، شكراً لانتصار الإبداع المضيء على التخلف المظلم.