محور بكين موسكو وطهران يعيد ميزان القوى
سمر سامي السمارة
أصبح واضحاً للجميع اليوم ظهور مراكز قوة جديدة في آسيا، هي روسيا وإيران والصين، والتي تتسم باستقلاليتها وتعارضها مع أيديولوجية التوسع، والعالم أحادي القطب الذي يروج له الغرب والولايات المتحدة.
إن انضمام إيران إلى منظمة “شنغهاي”، والتعاون النشط في مختلف بين روسيا والصين وإيران، هو بلا شك أهم حدث جيوسياسي يعيد تشكيل ميزان القوى بالكامل ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في كل أوراسيا إذ من الممكن أن يتيح المحور الجيوسياسي الجديد الذي شكلته هذه الدول تقسيم مناطق النفوذ في المنطقة وفقاً لمبادئ جديدة، خاصة أن المنطقة ليست غنية بالموارد البشرية والطبيعية فحسب، بل تتمتع أيضاً بإمكانيات عسكرية واقتصادية كبيرة، فضلاً عن ممرات بحرية وبرية تربط أوروبا وآسيا.
تتكشف اليوم الأهمية الخاصة لهذا المحور الجيوسياسي الجديد على خلفية الزيادات المتعددة في تكلفة المواد الخام، والتراجع الحتمي في القدرة الصناعية الأوروبية، الأمر الذي سيؤدي إلى صعود اقتصادات الصين ودول جنوب شرق آسيا.
علاوة على ذلك، لم يعد هناك بديل معقول آخر أمام الاقتصاد العالمي غير تعزيز التنمية الصناعية لروسيا وإيران والصين، فضلاً عن أنه لا يخفى على أحد أن الغرب لم يعد قادراً على المنافسة، بينما تعاني إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية من صعوبات في البنية التحتية والجغرافية فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية، وانخفاض إنتاجية العمالة.
في ظل هذه الظروف، سيزداد الطلب على المواد الخام في منطقة جنوب آسيا بشكل مستمر، وستغطي إمدادات المواد الهيدروكربونية من روسيا وإيران بالكامل التصنيع الإضافي لهاتين الدولتين.
إن اتفاقية التعاون طويل الأمد بين طهران وموسكو، والتي رافقها توقيع إيران والصين على اتفاقية واسعة النطاق للتعاون الشامل لمدة 25 عاماً، تنص على استثمارات بقيمة 450 مليار دولار، وعن إرساء أسس أقوى تحالف استراتيجي بين ثلاث دول في الشرق في تاريخ العلاقات الدولية. وعلى الأرجح أن يتحول هذا المثلث بين موسكو وبكين وطهران، الذي سمع عنه الكثير في السنوات الأخيرة، إلى تحالف ثلاثي يهدف إلى حد ما لمواجهة الولايات المتحدة، التي تصعّد من ضغوطها السياسية والاقتصادية.
على خلفية التهديدات العسكرية الإسرائيلية المكثفة مؤخراً ضد إيران، وكذلك التصريحات المتشددة العدوانية من قبل العديد من القادة العسكريين والسياسيين من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ضد روسيا والصين، يلقى التعاون بين موسكو وبكين وطهران في مجالات تعزيز القدرات الدفاعية، دفعة إضافية الأمر الذي انعكس بشكل خاص في إجراء المناورات البحرية متعددة الأطراف التي شاركت فيها روسيا والصين وإيران، والتي جرت في منتصف شباط 2021 في الجزء الشمالي من المحيط الهندي وأصبحت بالفعل عرفاً.
ونقلاً عن بيان أصدره مؤخراً رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري، ذكرت “مهر نيوز” أن إيران وروسيا والصين ستجري مناورة بحرية مشتركة أخرى هذا الخريف، ومن المعروف بالفعل أن هذه التدريبات ستجرى في الجزء الشمالي من المحيط الهندي، ومن المتوقع أن تشارك باكستان وعمان وعدد من الدول الأخرى.
وبحسب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تسهم السلوكيات التي تنتهجها الولايات المتحدة في التقارب بين الدول، بسبب القيود السياسية والاقتصادية التي تفرضها، نظراً لأن السياسة العدوانية التي ينتهجها الغرب تزداد يوماً بعد يوم، فإن التعاون، بما في ذلك التعاون العسكري، بين موسكو وبكين وإيران سوف ينمو ويتطور.
وفي هذا السياق، لا يمكن استبعاد المزيد من الاتفاقات بشأن الوصول غير المقيد إلى القواعد الجوية الإيرانية من قبل الطائرات الصينية والروسية، حيث سيتم بناء مرافق خاصة ذات استخدام مزدوج بالقرب من المطارات القائمة في مدن همدان وبندر عباس وشاه بحر وعبادان.
يرى مراقبون أن الحاجة للمزيد من التعاون متعدد الأوجه في هذه البلدان، لا سيما في ضوء سياسات العقوبات للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، أصبت أكثر إلحاحاً.
وتأتي أهمية إيران لكل من روسيا والصين، ليس فقط بسبب قاعدتها من المواد الخام، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي على طرق النقل الرابط بين ” الشمال والجنوب”، و”الحزام الواحد”، ولكن أيضاً كشريك عسكري سياسي في الشرق، خاصةً أنه كان لطهران تأثير فاعل على الأوضاع في المنطقة خلال العام الماضي، من خلال العمل كوسيط بين الأطراف المتصارعة في أفغانستان، ومحاولة منع احتكار طالبان لباكستان.
الاهتمام الصيني المتزايد بإيران له استراتيجيته الخاصة، وهو أمر طبيعي ومفهوم، خاصةً مع إعلان الولايات المتحدة المستمر عن مصالحها “الإستراتيجية” حول العالم، وإنشاء مئات القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج، وخاصة في الشرق الأوسط.
على عكس الولايات المتحدة، تركز بكين على حماية مصالحها على مقربة من حدودها، وتشعر بالقلق أيضاً بشأن أمن طرق النقل التي تربط الصين بمصادر المواد الخام والشركاء التجاريين.
في الآونة الأخيرة، لم تخف واشنطن رغبتها في تقليص وجودها في الشرق الأوسط، والتركيز على مواجهة الصين في شرق آسيا، وفي ظل هذه الظروف، فإن اهتمام الصين المتزايد بإيران له ما يبرره تماماً.
علاوة على ذلك، ثمة مصلحة مشتركة لإيران والصين وروسيا في حل الأزمة الأفغانية، والتي ستؤثر بشكل كبير على المنطقة الآسيوية بأكملها. فضلاً عن الوضع في بلدان آسيا الوسطى، الذي استهدفته الولايات المتحدة مؤخراً لزعزعة الاستقرار، ومفاقمة النزاعات الداخلية والصراعات بين الدول المختلفة هناك.