د. رضا سعيد ودوره في التعريب في مجمع اللغة العربية
ملده شويكاني
“كانت اللغة حاضرة باستمرار في خطاب عصر النهضة، وكانت تلتقي في هذا الخطاب أسئلة اللغة والتراث والهوية، بحثاً عن الذات القومية عبْر ركام تاريخي ضخم لإنقاذ الذات من البلبلة، إن اللغة مكون ثابت من مكونات الهوية التي نعتز بها”، بهذه الكلمات استهل د. وهب رومية المحاضرة التي ألقاها الباحث أحمد بوبس في مجمع اللغة العربية بدمشق بعنوان “دور رضا سعيد في تعريب التعليم في جامعة دمشق”، وتأتي ضمن نشاطات المجمع بالتعريف بالروّاد الذين ساهموا بالتعريب.
اتخذت المحاضرة طابع التوثيق لسيرة د. رضا سعيد طالت الجانب الإنساني والعلمي، فبدأ بوبس من اللوحة التذكارية في مبنى رئاسة جامعة دمشق (رضا سعيد مؤسس الجامعة السورية ورئيسها)، والعبارة المكتوبة (خريجو الجامعة وطلابها يقرّون بفضله)، والبورتريه الخاصة به التي تعلو العبارتين، ومن ثم إلى تكريمه بإطلاق اسمه على المدرج الكبير في مبنى إدارة الجامعة، وعلى الشارع الممتد قبالة المدخل الرئيسي للمبنى وصولاً إلى شارع شكري القوتلي.
وبعد أن مهد بدور رضا سعيد بتأسيس المعهد الطبي العربي بدمشق وتأسيس جامعة دمشق وتعريب التعليم فيها، عاد إلى طفولته، إذ ولد في نيسان 1876 في بيت شديد الانضباط، فوالده الأميرال محمد سعيد من كبار ضباط الجيش العثماني الخامس، درس الابتدائية بالمدرسة الرشيدية وهي مدرسة عسكرية مخصصة لأبناء الضباط، وكان التدريس فيها باللغة التركية، فأحضر له والده مدرساً للغة العربية وآخر لتعليم الفرنسية، ثم أرسله إلى استنبول ليلتحق بالقسم الداخلي للمدرسة الطبية وليتخرج عام 1902 طبيباً ضابطاً.
وفي عام 1909، أوفد إلى باريس للتخصص بالأمراض العينية، والتحق بمشفى “اوتيل ديو”، وتزوج من الصيدلانية مارسيل أولييه، وعاد برفقة زوجته وجدتها إلى أرض الوطن بعد تخرجه في عام 1912.
وفي العام ذاته نشبت حرب البلقان بين الدولة العثمانية والدول الخاضعة لها، فأرسل رضا سعيد إلى تلك الجبهة طبيباً ضابطاً.
وفي عام 1913 تم نقله إلى المشفى العسكري في المزة، وتنقل بمواقع عدة لينتخب، عام 1917، رئيساً لبلدية دمشق.
مناهج باللغة العربية
وفي عام 1918، توفيت زوجته بالتفوئيد في حلب، وشاءت الأقدار أن يلتقي هناك بالأمير فيصل الذي طلب منه إنشاء معهد طبي في دمشق، فاشترط رضا سعيد أن يكون التدريس باللغة العربية وأوكل مهمة وضع المناهج لصديقه الدكتور مرشد خاطر، فألّف فريقاً منهم الدكتور أحمد حمدي الخياط وشوكت الشطي وأحمد منيف العائدي وغيرهم، وبدأ المعهد بالتدريس في عام 1919..
وعقب بوبس بأن تعريب التعليم في المعهد الطبي في دمشق لم يكن تعريباً لتدريس الطب فقط، وإنما كان القاعدة الأساس في تعريب التعليم الجامعي، كون المعهد الطبي ضم خمس شعب، وهي: الطب البشري، الصيدلة، طب الأسنان، التمريض والقبالة، العلوم، والتي تحولت فيما بعد إلى كليات الطب البشري والصيدلة وطب الأسنان والعلوم، ومدارس التمريض والقبالة ومن ثم أصبحت كلية، اتبعت كلها التدريس باللغة العربية.
كما أنشأ رضا سعيد مجلة طبية تابعة للمعهد الطبي تصدر شهرياً، وتهدف إلى ترسيخ تدريس الطب بالعربية وتشجيع التفكير والبحث العلمي الطبي باللغة العربية.
الاعتراف العربي والعالمي
وتوقف بوبس عند الهاجس المؤرق لرضا سعيد بالاعتراف بعملية تعريب مناهج المعهد الطبي العربي في دمشق؛ ففي عام 1932، تولى رضا سعيد رئاسة الجامعة وعقدت الجمعية الطبية المصرية مؤتمرها السنوي في دمشق، عام 1935، فأعجب الأطباء المصريون بنجاح تجربة التعليم الطبي باللغة العربية، وبعد أسبوع تلقى رضا سعيد برقية من علي باشا إبراهيم رئيس الجمعية الطبية المصرية باعتراف مصر بشهادة المعهد الطبي في دمشق، والسماح لخريجي المعهد بمزاولة مهنة الطب في مصر وإمكانية دراسة الطلاب المصريين في المعهد. ومن ثم حصل على الاعتراف العالمي من خلال دعوة لجنة من الأطباء الفرنسيين في نهاية كل عام دراسي لإجراء امتحانات التخرج للطلاب، وأصبح بإمكان خريجيه متابعة دراستهم العليا في جامعات فرنسا.
فروع أخرى
وانتقل بوبس إلى إسهامات رضا سعيد بفروع جديدة، فافتتح معهد الحقوق عامه الدراسي في أيلول 1919، وكانت العربية لغة التدريس، إضافة إلى كلية الآداب عام 1928. أما الحدث الأكبر فكان حلم سعيد بتأسيس جامعة سورية يكون التدريس في فروعها باللغة العربية، وقد تحقق في 25 حزيران 1932، واختار الآية الكريمة من سورة طه شعاراً لها (وقل ربي زدني علماً).
ولم تقتصر جهود سعيد على تعريب التعليم الجامعي إذ عمل على تعريب مناهج الشهادة الثانوية، عام 1924، حينما كان وزيراً للمعارف.
وأنهى بوبس محاضرته بمرحلة تقاعد سعيد في العام 1936، ورحيله عام 1945.
“الأرض بتتكلم عربي”
حظيت المحاضرة باستحضار مواقف شخصية تتعلق بموقف بعض الجامعات العربية من التعريب من خلال عمل د. وهب رومية في الجامعات العربية.
كما تحدث د. نزار بني مرجة عن تمسك السوريين بعروبتهم وباللغة العربية الفصحى موضحاً الصعوبات التي واجهت اللجنة المخصصة لتعريب المعجم العربي الموحد لطب الأسنان.
وتابع د. منير أبو شعر الحديث عن مؤتمر تعريب معجم طب الأسنان الذي أقيم في القاهرة ورفضه الشخصي بإلقاء الكلمات باللغة الإنكليزية مستحضراً أغنية “الأرض بتتكلم عربي”.