الأب زحلاوي مكرماً: إيماني قاطع بخلاص سورية من هذا الجحيم.. والخبرة هي التي تنصح
نجوى صليبه
معتذراً عن تأخير لا يد له فيه، وبكلّ تواضع واحترام، بدأ الباحث والمترجم والمسرحي الأب إلياس زحلاوي حواره المفتوح مع جزء بسيط من جمهور كبير قائلاً: أتمنى أن نكون دعاة محبة جميعاً فلا حياة خارجها، وخلاص سورية ممّا هي فيه لا يكون إلّا بالمحبة، أتمنّى أن أبدي رأيي فيما قد يكون أبعد من كلّ تحليل بشري ومن كلّ توقّع سياسي، وأرجو أن تركّزوا أسئلتكم على الخبرة التي عشتها في سورية لكي أستطيع التّحدث في شؤون عشناها وتشكّل أساساً لمرحلة قادمة سنعيشها.
وخلال استضافته في فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب بمناسبة عيد ميلاده التّسعين ومرور خمسين عاماً على عضويته في الاتّحاد ودوره في تعزيز ثقافة الانتماء، وردّاً على سؤال حول تآمر الحكّام العرب وتآزرهم للحيلولة دون حضور سورية القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر، أجاب زحلاوي: منذ سنتين سألني أحد الأصدقاء في لقاء تلفزيوني: هل مطلوب من سورية أن تعود إلى الجامعة العربية؟ فأجبته: لا يجب على سورية أن تعود إلى الجامعة العربية لأنّ حقيقتها كشفت، إذ صارت مأوى للصّهيونية لتتحكم بالعالم كله، ومعظم من فيها بات تابعاً للكيان الصّهيوني ومن يحاول إنقاذها يُصدم بحجم الفساد فيها، وإن كان هؤلاء الحكّام الذين يطبّعون مع الصّهيونية يرجون أي خير فليشاهدوا ما يعانيه الشّعب الفلسطيني.. هل يظنّ هؤلاء أنّهم قادرون على التّعاون مع من يتحكّم بمصائر البشر؟ أخشى أن يكون العمى قد أصابهم.
وتابع زحلاوي: فقدنا في سورية مئات الآلاف من الشّباب، ولولا الشّهداء لما كنّا اليوم هنا، والكثير يتساءل: هل من مستقبل؟.. أنا لست سياسياً، أنا مواطن وكاهن وكاتب وأتيح ليّ أن أعيش في سورية خبرةً ما كان أحد ليتوقّعها على الإطلاق، لذلك لديّ إيمان قاطع بخلاص سورية من هذا الجحيم. هل قرأنا في التّاريخ ما يقارن بما عاشته سورية؟ هل قرأنا دولةً تتآمر عليها 140 دولة ويرسل إليها 500 ألف داعشي باسم الحرية وتصمد كلّ هذا الوقت؟.. كيف تسنّى لهذه الدّولة الصّغيرة أن تبقى واقفة؟ وكيف يتسابق أبناؤها ليموتوا دفاعاً عنها؟ وكيف يتسنى للسّيد الرّئيس أن يبقى صامداً وكلّ الدّول كانت تراهن على سقوطه من أوّل أسبوع من بداية الأحداث؟ نحن نعاني نعم، لكنّي لست أعمى ولا أتملّق أحداً، أقول ما أفكّر فيه فقط، مضيفاً: لو يجتمع أبناء سورية ولاسيّما حملة الفكر ويتحاورون ويتبادلون الآراء لكان هناك إمكانية لتقديم وجهة نظر ورؤية واضحة ومفيدة، لكن الحوار غير قائم بين العديد من السّوريين، لذلك من وجهة نظر بشرية نحن في مأزق.
وفي حديثه عن جوقة الفرح وسعيه للوصول بها إلى العالم، يبيّن كيف قدّمت الفرقة حفلها الأوّل في أمريكا: في عام 2006 جاءني اتّصال من السّفارة الأمريكية يخبروني بأنّ مدير مركز ثقافي جون كينيدي في واشنطن يريد مقابلتي، فوافقت وطلبت معه مترجماً، وجاء فعلاً مع الملحق الثّقافي آنذاك، وكنت قبل سنوات أحاول التواصل مع كهنة وأساقفة في أمريكا من أجل أن تقيم جوقة الفرح هناك حفلاً ولم أوفّق، وها هم يأتون إليّ ويطلبون مشاركتنا في “مهرجان العالم العربي”، وحينها سألته: هل تفكيرك في العلاقة مع سورية مثل تفكير جورج بوش؟ فأجاب: تعبنا من الحروب وأريد أن يعرف الأمريكي عن العالم العربي شيئاً آخر غير الحروب، فارتاح قلبي وبدأنا التّحضير ولم نذهب إلّا في عام 2009 وبقينا هناك أسبوعاً كاملاً، وبفضل الجالية السّورية تحديداً أقمنا حفلات في أكثر من مكان بمشاركة 118 طفلاً تتراوح أعمارهم بين السّبعة والـ 14عاماً و33 موسيقياً.
تجربة مسرحية غنية قدّمها الأب زحلاوي ترجمةً وتأليفاً، كان آخرها نصّ “وجبة الأباطرة” الصّادرة عن اتّحاد الكتّاب العرب عام 1981 وكان آنذاك علي عقلة عرسان رئيساً له، واليوم، يعلن الرّئيس الحالي للاتّحاد الدّكتور محمد الحوراني جهوزيته لطباعتها مرّة أخرى مع المسرحيات الخمس التي يتمنّى زحلاوي طباعتها لما فيها من خدمة له وللمسرح السّوري.
وفي ردّه على طلب أحد الشّباب بتقديم نصيحة تساعدهم في تأسيس فرقة مسرحية شبابية، قال زحلاوي: لا يمكن أن أقدّم نصيحة، الخبرة هي التي تنصح، لكن أتمنى أن تحبّوا عملكم والنّاس الذين تعملون معهم.. أي عمل من دون هدف مادي أو اجتماعي أو معنوي أو عاطفي.. الحبّ لأجل الحبّ فقط لتحقيق عمل مشترك والخبرة بعد فترة من الزّمن هي التي تملي عليكم ما تفعلون، كذلك التّصميم مهمّ جدّاً، والفرح الذي يأتي من العمل والخبرة يجعلكم تستمرون.