بين فلسطين و”المحافظة الـ 15 قصة سلب.. والحضور طلبة مدارس لخلق “الوعي المطابق”
دمشق – علي بلال قاسم:
سجلت العقود الثمانين التي أعقبت زمن التلاعب الاستعماري بوجهه القديم بالجغرافية الطبيعية والوطنية للبلدان إخفاقاً في نسيان “المحافظة الخامسة عشر” من الذاكرة السياسية والمجتمعية المقاومة، لتصبح قضية إعادة ما ضم تركياً من أرض الشمال “لواء الاسكندرون” السليب جزءاً لا يتجزأ من البوصلة العروبية والقومية المتجذّرة في الجنوب، حيث وجهة القضايا الأولى فلسطين المحتلة، وهنا تجتمع القواسم على هدف ومصير واحد. وقد حرصت اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة، بشراكة مؤسسة القدس، على ربطهما تحت عنوان واحد حملته إرادة إحياء الحقوق بندوة تحت عنوان “من سلب لواء اسكندرون إلى سلب فلسطين” والمقصد دائماً “دار البعث” التي لطالما تحتضن وترعى وتستضيف نشاطات فكرية وثقافية شتّى، وللقضايا المركزية من درجة استعادة اللواء وفلسطين شرفية للضيف والمضيف.
في جديد التعاطي الوطني مع استحقاقات مصيرية من هذا القبيل، ثمّة تشاركية مختلفة تنبهت إليها العقلية المؤسساتية والمنظماتية الأهلية، لتكون المبادرة الأهم التي أضفت على الندوة ملامح التواصل عبر الأجيال ما بين “ستيني” و”سبعيني” قضى عمره في حقب الكفاح لأجل فلسطين واللواء، و”عشريني” وجد نفسه في خضم حرب كونية على بلده، لا مجال لأن تنسيه أراضٍ اقتطعت قديماً وأخرى يحاولون سلخها وتقسيمها حديثاً.
الخطوة اللافتة التي توافقت اللجنة الشعبية ومؤسسة القدس مع اتحاد شبيبة الثورة على تسجيلها هي جعل الشباب الفتي الصاعد في مقتبل العمر جمهوراً مستمعاً بالاستهداف المقصود لذاته والمتعلق بخلق وعي مطابق بين الأجيال دون حصول قطيعة في مخزون التاريخ، ولا مانع من مواجهة أسئلة قد تبدو محرجة تتعلق بعدم تخلي سورية عن قضية العرب المركزية فلسطين، وكله في إطار مقاربة القضايا.
وخلال الندوة، حرص الدكتور خلف المفتاح، مدير عام مؤسسة القدس الدولية في سورية، على تقديم المبادرة واستحضار الذاكرة، ليعرّف الجيل الجديد بماهية خريطة سورية الطبيعية والسياسية، في وقت استثمر الدكتور صابر فلحوط، رئيس اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة، شريحة الحضور من طلبة المدارس الذين توافدوا بالعشرات، ليقدم تمهيداً جغرافياً وتاريخياً وتوجيهياً يتعلق بمكانة اللواء والاستعداد الفكري والوطني لإعادته إلى حضن الوطن الأم، كما الجولان المحتل من قبل العدو الإسرائيلي، مذكّراً بأنّ فلسطين هي جرح في جسد الأمة طال شفاؤه، والآمال – وفق مدير الندوة – كبيرة على التحرير، والدليل ما تشهده الأراضي الفلسطينية هذه الأيام من بطولات ونضال شعبي مستمر ضد الاحتلال.
وعلى إيقاع التفاعل الملموس الذي أبدته طالبات المدارس مع العنوان العريض والأفكار الوطنية التي قدّمت، كان العرض المكثّف الذي قدمه الدكتور مفتاح حول المجرى والسياق التاريخي لقضية اللواء والتزييف التاريخي للخارطة العربية ولاسيّما لسورية الطبيعية عبر العبث بالجغرافيا منذ القديم، ومن خلال الحروب على الأمة، ليزيد في الإمعان سنوات الحرب على سورية ومحاولات استعادة اللعبة التقسيمية منذ أن تشارك الأتراك والفرنسيون تخريب الأرض السورية، من سفر السلخ والضم إلى كذبة الاستفتاءات لأرض تصل إلى 500 كم يعيش عليها نحو 1،5 مليون سوري.
وأكمل الدكتور عيد مرعي عضو مجمع اللغة العربية رحلة التنقيب التاريخي عن حقائق ما وثقته الأحداث من استهداف استعماري يطال الأراضي والموارد والخيرات، مقدّماً تعريفاً لغوياً عن تسمية “هاتاي” وأورشليم ومحاولات التضليل والترويج العثماني القديم والتركي الجديد للبنية الديموغرافية لسكان ومواطني المحافظة الخامسة عشر، التي يغلب عليها الطابع العروبي السوري القديم، علماً أن الأتراك مارسوا التتريك في اللواء كما الآن في المناطق التي يحتلونها، وكما هو الحال أيضاً عندما اتفق الأوروبيون لترحيل اليهود وسلخ فلسطين.
وكالعادة بدت خصوصية النهج الذي يقدمه الدكتور طارق الأحمد عضو المكتب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي كمحاور ومشارك في الندوة، عندما رفع نبرة الحوار والتفاعل مع الحضور الشبابي، ليطرح جعبة أسئلة حول أسباب سلخ اللواء وفلسطين، والأهم: هل توقفنا هنا أم هناك شيئاً ما بعد؟ مؤكداً أن سورية قيادة وشعباً وجيشاً أجهضت مشاريع التقسيم الجديدة، مشدداً على حتمية التوحيد في وجه التقسيم والأساس هو حقيقة وعي الأمة.
وكان لافتاً حرارة التصفيق الذي صدر من الطلاب عندما تناول الأحمد قضية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وتاريخ الرفض السوري لهذا الخيار الذي ارتضاه الغير. وفي هذا السياق قدم عضو المكتب السياسي للقومي السوري أسئلة تنتاب الشباب من مستوى: “هل نتخلى عن فلسطين ولواء الاسكندرون؟ وبمفاتحة شفافة توجّه للشباب بالقول: إن القضية ليست مرتبطة بوجع الرأس، فالدفاع عن فلسطين وتحرير الجولان واستعادة اللواء هو دفاع عن المحور الحضاري العالمي.