معرض في بيت الأمير عبد القادر الجزائري.. الحاضر لا ينجو من ماضيه
أكسم طلاع
يُقام حالياً معرضٌ لأعمال الفنانين التشكيليين: عصام درويش، إسماعيل نصرة، عمار الشوا، في بيت الأمير عبد القادر الجزائري. ويضمّ المعرض لوحات من إنجاز هؤلاء الفنانين، ومنهم من يدير صالة للفنون الجميلة، صالة عشتار في العدوي، أما إسماعيل نصرة وعمار الشوا فقد شهدنا العام الماضي معرضاً لأعمالهم في صالة عشتار. واليوم تنتقل هذه الكوكبة لتعرض لوحاتها في هذا المكان التاريخي الكائن في منطقة العمارة في دمشق القديمة بجوار مقام السيدة رقية، ولن يجد الزائر أيّ عناء في الوصول إلى هذا العنوان الذي سيصل إليه بعد أن يتحف بلقطات من جوانب دمشق القديمة وأسواقها، ليكتمل المشهد في فناء البيت العربي الدمشقي حيث بحرة الماء وشجيرات النارنج تتوسط البيت الذي تتوزع حوله قاعات وأجنحة استقبال مكسوة جدرانها بالزخارف والكتابات العربية وقد مرَّ عليها ترميمات كثيرة.
المهمّ أن لهذا المكان أكثر من سطوة حين ندلف إليه، فسيرة الأمير عبد القادر الجزائري وحدها تجعل الأمر أكثر فضولاً لنلتقي مع صفحة وضاءة من تاريخ العرب المعاصر ومن تاريخ الجزائر المجيد، وربما رقم مليون شهيد وحده يجعل من يكتب في حضرة تاريخهم أن يقف إجلالاً لدمائهم ولأميرهم الذي عاش في دمشق، فكيف حال اللوحة في هذا المكان المطرز بالمشاعر!.
لا شكّ أن معرضاً للفن التشكيلي في مكان كهذا يكتسب خصوصية كبيرة لجهة أن فضاء العرض لن يكون مستقلاً عن محيطه، ما جعل من العرض أكثر احتفالية، فأغلبية زوار المكان لم يكن مقصدهم الفن التشكيلي بقدر زيارة هذا المكان، ونلحظ ذلك من خلال الصور التذكارية التي يلتقطها أولئك الناس لمعالم المكان وتفاصيله الجميلة، والمقصود هنا، حتى لو كانت اللوحات المعروضة مؤثرة وقوية لن تكون أكثر تأثيراً من الموقع. وفي سؤال لأحدهم: لماذا معرض للوحات في مكان كهذا يفتح أبوابه للجمهور؟ فكانت الإجابة تتضمن الحالة الترويجية بشكل واضح، إذ أن الفن التشكيلي يتكئ على سمعة المكان وجغرافيته.. كما يروّج للمكان عن طريق مثل هذا النشاط بغض النظر عن المآرب الاقتصادية، فالأمور متبادلة وتكاملية.
في لوحاته يؤكد الفنان عصام درويش على تلك التقنية التي يجدها نهائية الآن، وبالتالي هي القادرة على حمل مواضيع يختارها الفنان بحيث لا تتعدّى رسم بعض الوجوه في حالات مختلفة من الاضطراب والاحتجاجية ومقاومة الخوف والرعب. هذا النموذج من الأعمال التي تمتزج فيها حرفية الصنعة والتقانة مع النص التعبيري المباشر والصادم أحياناً، ولا يخفى على متابعي الفن تجربة هذا الفنان المخضرم المعروف بتعدّد إنجازاته المتنوعة الأساليب وبتفرغه للوحة إنتاجاً وتسويقاً، حتى أضحى أحد علامات المشهد التشكيلي السوري على المستويين الفني والاجتماعي، كما يحظى بمودة واحترام من قبل معظم الفنانين السوريين لاستضافة معارضهم الفردية في صالة عشتار للفنون الجميلة وتقديم الدعم للتجارب الشابة.
وفي جانب آخر تعرضُ لوحات لعمار الشوا الذي يتابع تجربته بجدية الرسام المتفرغ للوحته المنجزة بتفاصيل لونية مغرقة تقارب الرقش والمنمنمات تناسب مواضيع تصويرية بسيطة كالشجرة والعصافير التي تؤلف سماء جديدة تشي بالبهجة والفرح، ويوازيه في المسار إسماعيل نصرة من حيث الاحتفائية بالتلوين والتجريب، إذ يبتعد بمحاولاته نحو تأليف عالم بصري من طبيعة اللوحة، لكن على خامات مختلفة كالجرة وصندوق الخشب والمشغولات المادية الأخرى. وفي هذا السياق قد يصل العمل التشكيلي إلى مكان آخر غير الفن التشكيلي يقارب الفنون الوظيفية التطبيقية أو التزيينية، خاصة وأن الفنان نصرة يغرق في استخدام مواد ملونة لا تخدم لوحته، كما يتقصّد نصرة أفكاراً طريفة ذات أبعاد تراجيدية في التعبير إلى جانب استعراضات إخراجية للوحة بشكلها المادي وطريقة عرضها التي لا تخلو من التباس في التعبير مما يجعل من اللوحة كائناً هجيناً.