مستقبل الكومنولث في عهد الملك تشارلز
عناية ناصر
يضمّ اتحاد دول الكومنولث، 56 دولة حول العالم، وهو موطن لـ 2.5 مليار شخص -ثلث سكان العالم- ويمثل 13.1 تريليون دولار أمريكي من الناتج المحلي الإجمالي. حتى اليوم لا يزال الملك البريطاني كرأس للدولة في 15 مملكة من دول الكومنولث، بما في ذلك كندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، وبابوا غينيا الجديدة، ودول متعدّدة في جزر المحيط الهادئ، ومنطقة البحر الكاريبي. ومع ذلك، تثير وفاة الملكة إليزابيث حالة من عدم اليقين بشأن ما يخبئه المستقبل للمجموعة، ولاسيما بشأن دور العائلة المالكة البريطانية.
يعود تاريخ إنشاء الكومنولث إلى الاجتماع الذي جرى في عام 1926 بين الملك البريطاني جورج الخامس -جد إليزابيث- وقادة المملكة المتحدة، وست دول دومينيون (أقاليم شبه مستقلة كان العاهل البريطاني رئيساً للدولة)، حيث تمّ الاتفاق على أن كل دولة يجب أن تعتبر مستقلة ومتساوية، وعليه تم الإعلان رسمياً في عام 1931 عما بات يُعرف بـ”الكومنولث”.
في عام 1949، تم تحديث الكومنولث للسماح للدول التي أرادت أن تصبح جمهوريات، مثل الهند، بالحفاظ على عضويتها، مما أدى إلى تشكيلها الحالي. على الرغم من أن الكومنولث تم تشكيله لخلق الوحدة بين الأراضي البريطانية السابقة والحالية، إلا أنه يظل رمزاً للتاريخ الاستعماري البريطاني، وبالنسبة للكثيرين، يعد تذكيراً بعدم المساواة الاقتصادية الموجودة بين المستعمرات البريطانية السابقة. وكما قال رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد في عام 2015، “الثروة ليست مشتركة على الإطلاق، فهي تخص أربعة أعضاء فقط والباقي فقراء”.
تواجه المجموعة تحديات متزايدة:
أولاً، هناك اختلافات أيديولوجية بين الدول الأعضاء تعود إلى فترة الحكم الاستعماري.
ثانياً، في العقود الأخيرة، أعطت الدول الأولوية للتجمعات الدولية الأخرى الاقتصادية والإقليمية التي وعدت بقيمة دبلوماسية واقتصادية أكبر، الأمر الذي قلّل من أهمية الكومنولث.
ثالثاً، أصبحت الحركة داخل الكومنولث أكثر تقييداً منذ أن قدمت بريطانيا التأشيرات، مما أدى إلى تثبيط فكرة “الثروة المشتركة”.
أخيراً، فشل النظام الملكي البريطاني في تصحيح ماضيه الاستعماري، حيث لم يقدم أي تعويضات لدول منطقة البحر الكاريبي عن مظالم العبودية، كما أنه لم يقدم أي اعتذار رسمي أيضاً عن مذبحة “جاليانوالا باغ” عام 1919 في الهند، أو عن مجاعة البنغال عام 1943.
هذه الجروح التي لم تندمل، بل قسمت الكومنولث أكثر، تزداد حدة الاعتراضات على الملكية البريطانية بين مواطني الكومنولث، إذ لا يرغب الكثيرون في الاعتراف بالملك كرئيس للدول الديمقراطية. كما لم تلق جولة الأمير ويليام وزوجته كيت الأخيرة إلى منطقة البحر الكاريبي قبولاً إيجابياً، مع اندلاع الاحتجاجات في الدول المضيفة، حيث كانت المشاعر العامة فاترة في الدول الأكبر والأكثر ثراءً أيضاً. في كندا، يعارض 51 في المائة من السكان أن يكون العاهل البريطاني هو رئيس البلاد، وكانت أستراليا تضغط من أجل إجراء استفتاء على التحول إلى جمهورية منذ عام 1999، بينما قالت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن إنها تتوقع أن تصبح البلاد جمهورية في العقود القليلة المقبلة.
تجمع المتظاهرون المناهضون للملكية في اسكتلندا وإنكلترا بعد وفاة الملكة إليزابيث، مما يعكس تراجع الشعبية الوطنية للعائلة المالكة البريطانية. وبالنظر إلى أن بربادوس قد أزالت بالفعل العاهل البريطاني كرئيس للدولة، تخطط جامايكا للقيام بذات الأمر بحلول عام 2025، ويمكن أن تكون وفاة الملكة إليزابيث بمثابة حافز لمزيد من عوالم الكومنولث لتحذو حذوها.
في الواقع، كانت الملكة، التي كانت فترة حكمها الأطول في تاريخ بريطانيا رمزاً قوياً لوحدة الكومنولث بين قادتها، لكن اليوم يواجه الملك تشارلز مهمة صعبة في الحفاظ على اتحاد الكومنولث، حيث يعد تشارلز، البالغ من العمر 73 عاماً، أكبر شخص سناً يتولى العرش البريطاني. إلى جانب اللقب السيادي، يرث تشارلز منصب رئيس الكومنولث، وستعتبره 14 دولة (عوالم الكومنولث) تلقائياً رئيس دولتهم الجديدة.
أبقت دول الكومنولث على الملكة اليزابيث بصفتها رئيساً لدول الكومنولث خلال فترة حكمها، إلا أن هذا الحال قد يتغيّر مع الملك تشارلز، فلدى الملك الجديد ما يكفي من المشكلات التي تجعل قادة عالم الكومنولث يفكرون بالانسحاب من الكومنولث، والخروج من تحت عباءة المملكة البريطانية.
في حال تخلت دول الكومنولث عن الملكية البريطانية، فهناك احتمال كبير بأن الدول الأعضاء الأخرى ستفقد الاهتمام بالمجموعة تدريجياً، وبصفته الرئيس الجديد للكومنولث، يجب على الملك تشارلز أن يعمل بجد لاستعادة إيمان الدول الأعضاء في الكومنولث، ومعالجة المظالم القديمة للمستعمرات البريطانية السابقة، وجعل دوره في الكومنولث ذا أهمية، وليس مجرد احتفالية.