إيطاليا تدير ظهرها للعولمة
هيفاء علي
لم تحمل نتائج الانتخابات التشريعية الايطالية المتعلقة بمجلس النواب ومجلس الشيوخ أي مفاجآت، حيث جاء حزب جيورجيا ميلوني “إخوة ايطاليا”، الذي وصفته الصحافة الغربية المهيمنة بالفاشية الجديدة، على رأس القائمة بنسبة 26.5٪، متقدماً على الحزب الديمقراطي بنسبة 19.4٪.
هذا الفوز أثار إستياء كبير لدى الطائفة المعولمة التي تفقد قطعة أخرى في المحيط الأوروبي، بعد انتصار “الشعبويين” في السويد الأسبوع الماضي وبذلك تخرج إيطاليا من التسلسل العالمي بقيادة الممول ماريو دراغي. وعلى الرغم من أن ميلوني وعدت بتجنب “مخارج الطريق” المتهورة، فإن إيطاليا هي أول دولة أوروبية كبرى تُظهر مثل هذا الرفض الواضح للإيديولوجية العالمية في اختيار حكومتها الجديدة، بينما مهدت السويد الطريق جزئياً، قبل عشرة أيام بأغلبية ملحوظة لليمين. ورغم ذلك، يبدو هذا التوجه في إيطاليا، أكثر وضوحاً، ذلك أنه بعد عدة سنوات من النخبوية التكنوقراطية، ستكون الحكومة مستوحاة من السيادة، ويبقى انتظار البرنامج الذي تنوي جيورجيا ميلوني تنفيذه.
من جهة أخرى، بالنسبة لطائفة العولمة التي تهيمن على أوروبا وتضعها في خدمة الدولة العميقة، صانعة القرار الأمريكي، فإن ازدراء الأوربيين من الاتحاد الاوروبي بات يبعث على القلق برأي المراقبين، وبشكل خاص بعدما قامت أورسولا فون دير لاين بصب الزيت على النار بشكل وقائي بإعلانها للإيطاليين أنهم سيفقدون تمويلهم المجتمعي إذا اختاروا حكومة لا تمتثل لرغباتها، وبالتالي من المفترض أن تؤدي الأسابيع القادمة في هذه المرحلة إلى تطورات مثيرة للاهتمام.
بعد سلسلة جائحة كورونا، أدى الإعلان عن نقص الطاقة تحت ذريعة الحرب الواهية في أوكرانيا إلى إثارة موجة جديدة من الخوف والاستياء، حيث سئمت الشعوب تدريجياً من هذه المسيرة القسرية نحو رأسمالية المراقبة التي تنوي بالتأكيد وضع حد للحريات والديمقراطية. الغضب الآخذ في الصعود وتعاقب الأصوات “الشعوبية”، أي المعادية للنخب الطبقية، يظهران أن هذا الغضب عالمي، ومن خلال موازنة كل ثقلها في الميزان لتحدي “الشعوبية”، تجازف أورسولا فون دير لاين أيضاً بمخاطرة كبيرة بربط مصير الاتحاد الأوروبي بالكراهية المتزايدة للنخب الحاكمة فيه.
لكن على المدى الطويل، فهم الجميع أن المساعدة الأوروبية تخضع لـ “التصويت الجيد”، وأن الحقوق في الاتحاد تخضع لطاعة الطبقة. وعلى المدى الطويل أيضاً، قد يكون هذا النوع من النزهة شاقاً، ما يشكل فترة حرجة للطائفة خارج أوروبا، التي يبدو أنها بدأت تعاني من التوترات التي تشكل خطورة على بقائها، على وجه الخصوص بسبب الطاعة المجنونة لرهاب روسيا الأمريكي، فإن العالم بأسره يمكن أن يواجه فترة حرجة.
في تشرين الأول الجاري، ستجرى الانتخابات الرئاسية في البرازيل، وفي 8 تشرين الثاني المقبل ستجري انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة. وبحسب المراقبين، قد يؤدي هذان الموعدان إلى توجيه ضربة قاضية لمشروع “إعادة التعيين الكبرى” “الذي عانت منه أوروبا لأكثر من عامين.