هرمون “الانتماء”..؟!
بشير فرزان
إذا أردنا الحديث بشفافية ووضوح، لقلنا إن مخاوفنا تزداد يوماً بعد يوم على شبابنا، وخاصة في هذا الوقت العصيب بكل ما فيه من تغييرات في السلوكيات، إلى جانب تلك المنزلقات الفكرية العاصفة بمستقبله وحياته، وفي ظل هذا الواقع المأزوم بكل جوانبه ومجالاته الإنسانية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تتعدّد طرق وأساليب التأثير على الحياة الشبابية في ظل مجتمع تتقاذفه اليوم أمواج المتغيرات والتطورات المختلفة. وهنا لا بدّ من التركيز على ضياع الهوية الفكرية، وتحديداً هرمون “الانتماء” الذي لم يعد حاضراً في حياة هذه الفئة الحالمة بالسفر والهجرة لفقدانها الارتباط والتأثير والحضور في بلدها بشكل يعزّز التصاقها بحقيبة السفر التي أضعفت الرباط بين الشباب وبلدهم، فالمشاريع تبنى بالخارج لاستقطابها في الوقت الذي ترحل فيه هذه الطاقات قسراً نتيجة أخطاء في السياسات المختلفة ومنها التعليمية، فـ 90% من هؤلاء الشباب ضحايا فرص العمل غير المرتبطة بسياسة الاستيعاب الجامعي التي لم ينتج عنها إلى الآن إلا أعداد تراكمية كبيرة من الطلاب في الكليات الجامعية الحكومية دون وجود ما يكافئها من فرص العمل، وهذا ما يحرضُ سؤالاً جوهرياً: ما حاجة سورية الحقيقية لهذا العدد من الخريجين في الكثير من الاختصاصات التي لم يعد لها مكان في سوق العمل؟
والغريب أن الاختصاصات الطبية باتت في دائرة الخطر، ومنها “الصيدلة” و”طب الأسنان”، وذلك لضعف الترابط والتناسق بين مكونات التعليم العالي (نظامي، خاص، مفتوح، افتراضي) وتكرار مكوناتها، وما يزيد الطين بلة كما يقال أن منظومة الدراسات العليا محكومة بمنطق التخصّصات الضيقة، وهذا ما أدى إلى نزيف مستمر للخريجين خارج الحدود، وفي الوقت نفسه لا يمكن التغاضي أو تجاوز واقع الجامعات لجهة قلّة عدد الكوادر التدريسية التي تتعرّض أيضاً لحالة من الإضعاف نتيجة الشح في الإنتاج الفكري بسبب ضعف الأجور والتعويضات، ومن ثم اتخاذ قرار الاستقالة والبحث عن فرصة أفضل داخل وخارج البلد.
وطبعاً هذا الواقع التعليمي الهشّ يمثل جزءاً من لعبة المراهنة على الشباب دون أي مشروع واضح المعالم والخطوات، وقادر على إزاحة نظرية الانهزام والتعلق بآمال خلف البحار بكل ما فيها من محاولات لتطويع الطموحات والسيطرة على الأحلام واستثمارها ضد بلدهم. وهنا نذكر أن ضعف الانتماء من أخطر الأمراض الوطنية التي يمكن أن تؤدي إلى تشويه المستقبل وإعاقته، وخاصة مع اتساع رقعة انتشاره سواء بين الشباب أو حتى في العمل الوظيفي والمهني، وحتى في الحياة العامة.. فهل تخرج الأفكار من شرانق التقليد السلبي وعدم الاكتراث، أم يتخذ القرار الفاعل والمفعل للشباب ودورهم إلى جانب جميع شرائح وفئات المجتمع في استعادة البلد من النواحي كافة وذلك لصناعة المستقبل؟!