استمرارية التقنين الكهربائي رهن أسئلة وإجابات
عبد اللطيف شعبان
استمرارية التقنين الكهربائي، منذ سنوات خلت، تسبب بحرب أعصاب للمواطن السوري، كان لها عواقبها الصحية والنفسية عليه، بالتوازي مع عواقبها الاقتصادية، فمن المؤكد أن خسائر اقتصادية كبيرة جداً لحقت بأصحاب التجهيزات الكهربائية المنزلية ومثيلها في تجهيزات المنشآت الإنتاجية والفردية العامة والخاصة الكبيرة والصغيرة، نتيجة التقنين الكهربائي الجائر، وانقطاعات التيار مرات عديدة ولفترات غير مدروسة خلال فترة توفره القصيرة، وأيضاً نجم عن ذلك الكثير من الأزمات النفسية والصحية، التي أسفر بعضها عن تشنجات نفسية ذاتية ومع الآخر، تسبب بعضها بمشكلات اجتماعية وأمراض مميتة لبعض أفراد الأسرة أو المنشأة، أو كلف علاجها مبالغ باهظة.
الكهرباء حاجة أساسة للإنسان، كالهواء والماء والغذاء والدواء، بل وهي الأساس اللازم لتأمين هذه الحاجات، التي بدونها لا حياة للكائنات الثلاثة (الإنسان والحيوان والنبات)، لا بل وأن الاستفادة المثلى من الجماد (الصخر – المعادن بأنواعها – التراب) تتطلب الكهرباء، ما يجعل من الضروري جداً، أن تكون معالجة وضع التيار الكهربائي من أولويات اهتمامات الحكومة، ولكن من المؤسف أن معالجاتها السابقة والحالية والموعودة لواقع التيار الكهربائي، تنبئ بتوقُّع بقاء الحال لسنوات قادمة، وهذا أمر غير مقبول في بلدنا سورية، بل إنه الضيم غير المعهود لا رسمياً ولا شعبياً، فالإجراءات السابقة لم تسفر عن تحسين واقع التيار الكهربائي رغم الوعود الكبيرة والكثيرة، أكان ذلك بشأن ما تم من إصلاح أو تحسين تلك المحطة الكهربائية أو إحداث تلك، إضافة إلى الاخبارات العديدة عبر الإعلام عن اكتشاف أكثر من بئر غاز أو نفط في المناطق الآمنة، وتحرير بعض المناطق التي توجد فيها بعض الآبار المستثمرة، وكثيرا ما اقتصر التحسين الناجم إثر ذلك لأيام قليلة فقط، وتتكرر الوعود ثانية وثالثة …. كما إن الإجراءات المتتابعة المتمثلة بفتح الباب أمام استيراد آلاف المولدات الكهربائية الصغيرة، والمولدات الكبيرة التي تنتج الأمبيرات، والتشجيع الإعلامي الكبير لاعتماد تأمين التيار الكهربائي ذاتياً باستخدام الطاقات البديبلة منزلياً ومنشآتياً، ومجدَّداً صدرت التعليمات التي تمكن المواطن من الحصول على قرض مصرفي – دون فوائد ولمدة خمسة عشر عام – لتأمين الطاقة البديلة لمنزله أو منشأته، ما يوحي بضعف جدوى الوعود السابقة والحالية بتحسين التيار الكهربائي المعتاد عن طريق محطات التوليد الكهربائي القديمة والمزمع إحداثها، وضعف الأمل بفاعلية آبار الغاز والنفط المكتشفة في الداخل الآمن والمتوقع تحريره، واستثمار الاحتياطي الكبير المتفق على وجوده في المنطقة الساحلية براً وبحراً.
هل غاب عن ذهن أولي الأمر حجم التكاليف المادية الباهظة – رسمياً وشعبياً، أسرياً ومنشآتياً – المتتابعة منذ سنوات، الناجمة عن استيراد المولدات بأنواعها، والتي كان وما زال لها عواقبها الكبيرة بيئياً ومادياً، عدا عن أنها لم تلب – إلا جزئياً – الحاجات الكبيرة المطلوبة لمئات الآلاف الذين استطاعوا اقتناءها، عدا عن الملايين الذين لم يستطيعوا ذلك، ومن المؤكد أن الحال نفسها ستتكرر مع التكاليف الأكبر التي ستنجم مجدداً عن استخدام معدات الطاقات البديلة، فقبل أكثر من عام أفاد أحد خبراء الطاقة البديلة، أثناء وجوده مع زملائه في محاضرة تتعلق بذلك في مركز ثقافي طرطوس، أن تأمين الطاقة الكهربائية البديلة المعتادة لمنزل تكلف حوالي 1 مليون ليرة سورية، وعلى الأغلب ازداد هذا المبلغ بسبب ارتفاع الأسعار، ولنفترض أن المبلغ كاف وأن العمر الزمني للمعدات عشرون سنة، فهذا يعني أن الكلفة السنوية لتأمين التيار الكهربائي المنزلي عبر الطاقة البديلة ستكون مليون ليرة سورية، وهذا المبلغ لا يستطيع تأمينه إلا نسبة قليلة من الأسر السورية، عدا عن أن القسط السنوي سيكون حوالي 80 ألف ليرة سورية (ناهيك عن التكاليف السنوية اللاحقة من صيانة وترميمات التي قد لا تقل عن خمسة ملايين)، ما يظهر أن إمكانية تسديد القسط ستقتصر على مئات آلاف الأسر والمنشآت كحد أعظمي، وتبقى ملايين الأسر والمنشآت محرومة من قدرتها على توفير الكهرباء التي تلزمهم، وحال انفرجت الأمور وتمكنت الجهات الرسمية من تأمين التيار الكهربائي المعتاد، ستبقى مسؤولية تسديد أقساط قرض الطاقة قائمة وستكون معداتها ركاماً. فليتفكر من يتدبر!!
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية