قبل فوات الأوان
هناء شروف
لا يزال التحقيق جارياً في التخريب المشتبه به لخط أنابيب “نورد ستريم” الروسي، الذي ربما تسبّب المسؤولون عنه بتصعيد كبير في الصراع، وليس هذا فحسب بل إن تداعيات الحادث خطيرة، لأن خبراء الطاقة أعربوا عن قلقهم العميق بشأن تأثيره السلبي على آفاق أمن الطاقة الأوروبية والنمو الاقتصادي، حيث ستتعرّض ألمانيا -أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي- على وجه الخصوص لأكبر ضربة.
كذلك لا ينبغي الاستهانة بالتأثير البيئي أيضاً، لأن الخبراء يقولون إن ارتفاع غاز الميثان من سطح البحر إلى الغلاف الجوي يساهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري. وهناك أيضاً قضية ملحة تتعلق بأمن وسلامة محطة الطاقة النووية في أوكرانيا، حيث يمكن أن تحدث كارثة نووية هائلة إذا استمرت كييف في قصف المحطة لاتهام روسيا.
قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في افتتاح المؤتمر العام للوكالة قبل أيام: “إن القضية أصبحت على رأس أولويات الوكالة.. علينا أن نستذكر عدداً لا يُحصى من النصب التذكارية، ومقابر الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. حقيقة أن كلتاهما بدأتا في أوروبا، وأودتا بحياة عشرات الملايين، يجب أن يحذر الجميع من أنهم قد يشعلون حرباً عالمية أخرى في أوروبا”.
يبدو أن الدول المعنية أصبحت عمياء عن المنطق وأقلّ مساومة، وغالباً ما اتُهمت الجهود الدبلوماسية في الأشهر الأولى من الصراع باسترضاء طرف دون الآخر. وقد تمّ الربط بين النزاع الروسي الأوكراني و”التنافس التاريخي”، في حين تحدث بعض الخبراء السياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا عن عملية لحفظ ماء الوجه، بمعنى أن الخطاب في الغرب اليوم يدور حول هزيمة روسيا على الرغم من أن الكثيرين يعترفون بأن هذا لا يمكن وقوعه.
لقد تحوّل الصراع الروسي الأوكراني إلى حرب بالوكالة بين روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، وليس هناك شك في أن الأوكرانيين سيستمرون في المعاناة أكثر إذا طال الصراع، وينطبق الشيء نفسه على الأوروبيين في ضوء ارتفاع أسعار الطاقة، والتضخم المرتفع، والركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق، ناهيك عن التحول الأخضر الطموح لدول الاتحاد الأوروبي.
إن ما يتمّ تجاهله في كثير من الأحيان، وسط كلّ هذا، هو معاناة الناس في بقية العالم، وخاصة في الدول النامية الفقيرة، حيث أصبح ارتفاع أسعار الطاقة، وأزمة الغذاء التي تلوح في الأفق، وتباطؤ الاقتصاد، تشكل تهديداً وجودياً بشكل تدريجي.
هل يمكن لجميع الأطراف المعنية إعطاء فرصة للسلام، فالحوار هو السبيل الوحيد لإيجاد حلّ سلمي للصراع ومنع حرب عالمية أخرى قبل فوات الأوان؟.