“ناتو” يصرّ على الاستثمار بـ “أوكرانيا” خدمة لواشنطن
تقرير إخباري
لا يختلف اثنان على أن السبب الرئيس للوضع القائم الآن في أوكرانيا، هو الرغبة الجامحة لدى حلف شمال الأطلسي “ناتو” باستخدام أوكرانيا رأس حربة في صراعه مع روسيا، بغية التوسّع نحوها وخنقها بترسانته العسكرية، وخاصة أن مناطق مثل دونباس وخيرسون وزابوروجيه مثلاً هي مناطق حيوية للأمن القومي الروسي، حيث يشكّل زحف الناتو إلى هذه المناطق تهديداً مباشراً لموسكو، وبالتالي جاءت العملية العسكرية الروسية لمنع وصول الحلف إلى هناك، فوجد الحلف أنه ليس مضطرّاً طبعاً للدخول في صراع واسع مع روسيا قد يؤثر في دوله الثلاثين معاً، وأن عليه فقط الاستمرار في دعم النظام في كييف لإطالة أمد الحرب واستنزاف روسيا، من خلال إمداد النظام في كييف بأحدث أنواع أسلحة الناتو التقليدية، كما لو كان الحلف يقاتل بجيوشه على الجبهة، وفي الوقت ذاته يصرّ الحلف على لسان مسؤوليه على أنه ليس طرفاً في الحرب الدائرة رغم أنه يتعامل مع معطيات الميدان كأنه منخرط بشكل مباشر فيها، أي يحدّد نوع الأسلحة التي ينبغي عليه تزويد النظام في كييف بها، وبالتالي يجبره على محاربة روسيا بالوكالة، ظنّاً منه أن تبعات هذه الحرب لن تطوله في المحصّلة.
ولمّا كان الحلف يصرّ على تزويد النظام في كييف بأسلحة يستهدف بها المناطق المذكورة ذات الأغلبية الروسية، فإن الأمر أصبح يمثل إلى حدّ ما ظاهرة تطهير عرقي قومي لسكان تلك المناطق باتجاه روسيا، الأمر الذي جعل العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا ضرورية بالفعل.
ولكن الحلف الذي يتحاشى دائماً الدخول في صراع مباشر مع روسيا، ويصرّ على إبقاء هذه الحرب بالوكالة، لابدّ له في جميع مراحل الصراع أن يبقى في الخلف، وبالتالي جاء رفض الأمين العام لحلف الناتو طلب رئيس النظام الأوكراني فلاديمير زيلنسكي منسجماً مع التوجّه العام للحلف في هذا الشأن، وذلك أن الحلف يعلم جيّداً أن أيّ حرب مباشرة له مع روسيا في ظل الظروف الحالية يمكن أن تؤدّي إلى انفراط عقده على خلفية الظروف الاقتصادية الخاصة التي تمرّ بها دول الحلف جميعاً دون استثناء.
ومن هنا ليس غريباً أن يقول الممثل الدائم لألمانيا (ناتو)، روديغر كونيغ: إن الناتو لن يستجيب لطلبات الرئيس الأوكراني للمساعدة، لأن كييف ليست عضواً في الحلف.
وتعليقاً على تصريحات الرئيس الأوكراني حول طلبه المساعدة من الناتو أكثر من مرة، أوضح كونيغ في حوار مع صحيفة “شبيغل”، أن “أوكرانيا ليست عضواً في الناتو، لذلك، لا توجد التزامات للدفاع الجماعي عن النفس.. كما أننا لا نريد أن يشارك الناتو بشكل نشط في الأعمال القتالية”.
وأكد الدبلوماسي الألماني أن دخول الناتو في الصراع سيؤدّي إلى حرب كبيرة، حيث ستصبح 30 دولة بشكل مفاجئ ودون رغبة منها مشاركة في الحرب، مشيراً إلى أن المساعدة المقدمة إلى كييف ينبغي أن تأتي في إطار تصرّفات دول فردية، وليس الحلف نفسه.
وفي السياق نفسه، قالت صحيفة “نيويورك تايمز”: إن الناتو لن يسمح لأوكرانيا بالانضمام إليه حتى نهاية العملية الروسية الخاصة.
وذكرت الصحيفة في مقال أنه إذا تم قبول أوكرانيا، فسيتعيّن على حلف شمال الأطلسي تطبيق المادة الخامسة من الميثاق بشأن الدفاع المشترك لجميع الأعضاء.
ولكن المراقب لهذا الأمر الآن يستطيع أن يضع مجموعة من علامات الاستفهام حول إصرار دول كبيرة في الحلف على دعم النظام الأوكراني بشكل فردي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت غير مرة أنها لا ترغب الدخول في صراع مباشر مع موسكو، وفي الوقت ذاته تصرّ على دعم النظام في كييف بشتى أنواع الأسلحة، وتحريض حلفائها الأوروبيين على القيام بذلك.
وبغض النظر عن صفقات الفساد التي تشارك فيها الإدارة الأمريكية النظام في كييف على خلفية برنامج المساعدات الذي تقدّمه له، على اعتبار أن السلاح الأمريكي يتم بيعه في السوق السوداء قبل وصوله إلى الجيش الأوكراني، فضلاً عن الأرقام الفلكية التي يتم سحبها من دافع الضرائب الأمريكي تحت هذا العنوان، وليس هناك ما يؤكد أنها تصل بالفعل كما هي إلى وجهتها، فإن واشنطن تسعى بشكل خبيث إلى حصر هذه الحرب بكل تبعاتها السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية إن أمكن في أراضي القارة العجوز، لأن الأمر في المحصلة يُراد منه الوصول إلى طلاق نهائي في العلاقات الروسية الأوروبية، وبالتالي إعادة توجيه السيولة الأوروبية بالكامل إلى الاقتصاد الأمريكي، وتحويل أوروبا إلى مستهلك ثابت للمواد الأولية والصناعات والتكنولوجيا الأمريكية، بعد تدمير جميع الاقتصادات الأوروبية دون استثناء، وهذا ربما يتم بعلم بعض القادة الأوروبيين المتواطئين أو بغباء منهم، وفي الحالتين تبقى الحرب في أوكرانيا خدمة للشركات الأمريكية، ومن ورائها طبعاً المساهمون الكبار الذين يرسمون السياسات الخارجية للبيت الأبيض، وربما يكون السيل الشمالي آخر الروابط بين روسيا وأوروبا، وقد تم بالفعل التخلص منه.
طلال ياسر الزعبي