الطبيب هوشنك حبش: أتمنى أن تدرس آلة الساز أكاديمياً
ملده شويكاني
“أنا بانتظارك مليت”، كانت بصوت نغمات آلة الساز، إذ اتخذت أوتارها دور الغناء بعزف الطبيب والمؤلف الموسيقي هوشنك حبش، في الأمسية الأولى له “الساز بلغة العالم” على مسرح الدراما في دار الأوبرا بعد مشاركاته مع الفرق الكبرى. وتعدّ هذه الأمسية نقطة البدء بمشروعه الموسيقي الذي يهدف إلى تقديم آلة الساز بالعزف الأكاديمي، إضافة إلى الموروث، وإظهار قدرتها على عزف أنماط موسيقية مختلفة من أنحاء العالم، إضافة إلى المعاصرة وليس فقط ضمن إطار التراث.
وقد جمعت هذه الأمسية بين تجربة هوشنك حبش بالتأليف وبين العزف الآلي لمقطوعات عربية وشرقية وعالمية، بمرافقة مجموعة مؤلفة من البيانو كيبور علي سليمان، والغيتار باص محمد جمال والكمان حسان نادر والبيركشن عمران أبو يحيى وشفيق ياغي والدرامز فارس الدهان مع الساز نجمة الأمسية، وزاد من تأثيرها الساحر الغرافيك بالصور المناسبة الرمزية والمباشرة على الخلفية. والملفت هو مساحة الارتجالات بين الموسيقيين في مقطوعات معينة ولاسيما الدرامز.
وثمّة خيط عاطفي يربط بين مؤلفات حبش بسكون تسرد أبعادها اللحنية حكاية الحرب والتخريب والدمار الذي طال المنازل الآمنة بعودة شخص إلى منزله، فبدأت بنغمات البيانو الحزينة بمرافقة ضربات الإيقاعيات الخافتة التي تدلّ على لحظة سكون من هول الصدمة وتمضي ألحانها ببعد درامي يحرّض على التخيّل بما يشبه تأثير الموسيقا التصويرية، حينما تبدأ آلة الساز لحنها الأساسي، ومن ثم مع الغيتار وصولاً إلى القفلة مع البيركشن. أما مقطوعة ذكرى فتبوح بذكرى عاطفية تمرّ بالخاطر فتبدأ مباشرة مع الساز والكمان، تتخللها مشاعر مختلطة بين الحزن والغضب والفوضى والفرح بين البيركشن والساز والبيانو، وتتميّز بمسحة شرقية امتدت لفاصل إيقاع شرقي على الطبلة. والأكثر حزناً وتأثيراً كانت مقطوعة “لأمي” التي ألّفها حبش بعد وفاتها منذ أربع سنوات، يوصل من خلال تدرجاتها اللحنية معاناته من الفراق المرّ، فكان التناغم قوياً مع الكمان.
ويبقى لموسيقا الزمن الجميل سحر خاص، فأفرد حبش مساحة لعزف مختارات موسيقية لأم كلثوم، اتخذ فيها الساز دور الغناء، تكاملت مع رائعة عبد الوهاب “مضناك”، ثم انتقل إلى المعاصرة والتأثير الدرامي والعاطفي لزياد الرحباني بعزف مقطوعة قمح مع ارتجالات خاصة.
الفاصل بالأمسية كان بحضور الموسيقا الهندية التي عكست صورة عن ملامح الموسيقا الشعبية بلحن رقيق للمؤلف بانديت فيش واموهان، بمقطوعة “دوهان في راق بيلو”. وأظهر حبش قدرة الموسيقيين بالارتجالات والانسجام مع الساز بمقطوعة دولاب حجاز للمؤلف مصطفى كاندرالي، وخاصة للبيركشن والدرامز، كما عزف مع المجموعة من التراث الكردي، واختُتمت الأمسية بعزف مقطوعة إسبانيا للمؤلف شيكو كوريا.
ثقافة الساز
وفي حديث لـ “البعث”، أوضح حبش أنه يمارس العزف على آلة الساز منذ أن كان في الخامسة من عمره، إذ تعلمها بالموروث من والده ثم دفعه شغفه بها لدراسة العزف عليها وعلى عدة آلات موسيقية في المعاهد الموسيقية في حلب، ومن ثم طوّر إمكاناته الموسيقية بالنوتة وبالتأليف، متمنياً أن تدرّس آلة الساز أكاديمياً، إذ يدرّس البزق العربي، ومن حيث التعليم الموسيقي لا يختلف البزق عن الساز كثيراً، لكن الساز تختلف عن البزق من حيث الثقافة والأداء وطريقة العزف والأسلوب.
الساز مع تشكيلات
وتوقفتُ معه حول الأمسية الأولى له فتابع بأنه عمل مع زملائه الموسيقيين على إبراز دور الآلة: أنا ضد العزف المنفرد ومع حضور الساز بتشكيلات موسيقية متعدّدة سواء الأوركسترا أو الفرق الصغيرة أو “التريو”، أي تشكيل يظهر الساز بشكل لائق، يحمل رسالتي بأن آلة الساز موجودة ويمكن أن تعزف أنماطاً متعدّدة، وفي الوقت ذاته أرمي إلى توسيع شريحة المستمعين إلى الموسيقا الآلية دون غناء.
وعن تشكيلة الآلات التي شاركته الأمسية بيّن أن هذه الآلات من تشكيلة “البيزك” الدرامز والغيتار والبيانو، والعزف على بيانو كيبورد الذي لا يدخل دار الأوبرا إلا بشكل قليل، قد ساعدنا على إظهار المؤثرات الموسيقية والخلفيات.
ومن المعروف أن هوشنك حبش طبيب اختصاص جراحة تجميل ويزاول مهنة الطب إلى جانب مشروعه الموسيقي، ويعزف على الساز منذ سبعة وعشرين عاماً.