مهرجان عمر أبو ريشة يستضيف “شعرية” مصطفى بدوي
حلب – البعث
هل حقاً سبق الشاعر مصطفى بدوي (1912 – 1991) الشعراء العرب في ابتكاره قصيدة التفعيلة؟ وما أهم ما يميّز مجموعاته التي بدأها مع “أوراق مهملة” (1954)، ليواصل إصداراته بين “البعد الخامس” وما تلاها، وصولاً لمجموعته “عائد من طفولتي”؟
هذا ما يجيبنا عنه مهرجان عمر أبو ريشة المتمحور في دورته الحالية حول شعر مصطفى بدوي المولود في الباب المنتقل إلى حلب ثم دمشق، والذي برزت مواهبه الأدبية منذ صغره، متعلقاً باللغة العربية من خلال “الكَتّاب” الذي يُعنى بتحفيظ القرآن الكريم، والتحق بالعمل ليكون حداداً يبتكر أدوات جديدة ثم معلّمَ حرفة في الثانوية الصناعية بحلب، وهو غير متوانٍ عن ابتكار حياته بشكل أفضل مع الشعر الذي كتبه عبْر نصف قرن.
ناجح في إخفاء حضوره
الندوة الممتدة مسافة يومين في المركز الثقافي العربي بالعزيزية، تتناول عدة محاور من زوايا قرائية مختلفة، منها “الوطن” في شعر بدوي ويتحدث فيها د. فاروق أسليم، و”الانتماء” في شخصيته وهي ورقة محمد العبد الله، و”الصور” التي تراها د. ميسون شوا في مجموعته “أوراق مهملة”، و”البحر” وكيف يبدو في قصائده كما ترى د. رتيبة موقع، إضافة لشهادات مختلفة منها لابنته الكاتبة منى بدوي التي خصّت “البعث” بقولها: كان إنساناً ناجحاً في إخفاء حضوره، ويسلّم الإدارة لزوجته وهو مطمئن، وذات يوم، جاء إلى المدرسة دون أن يعلمني، وذلك، بعدما أخبرته كيف قال لي الأستاذ مخرج المسرحية التي أمثل فيها دور “حنظلة الطائي”: الطيور على أشكالها تقع، كوني لم أستسغ كلمة تقع، فتعارفا، وضاحكاً شرح لي معنى المثل، لكن أحداث الوحدة باعدت بيننا لأنه انتقل إلى بيروت، وأنا لم أكمل تعليمي، وتزوجت في سن السادسة عشرة، وأكملت التعارف على أبي، وعلى كتابة القصيدة.
تردد التفعيلات
أمّا أهم ملامح الموسيقا التعبيرية في شعرية بدوي، فيجيب د. فايز الداية: أطلق في ديوانه الأول رسالة متطورة في النصوص القصيرة، وذات المقاطع المتعدّدة والقوافي وحروف الروي المختلفة في إطار البحور التي اختار عدداً منها، وجال في مواقف مختلفة تناغمت إيقاعاتها مع زوايا تجربته، بينما نجد مزايا نظام التفعيلة منتشراً في دواوينه الثلاثة اللاحقة، مستفيداً من مرونة السطور، وتردّد التفعيلات والتنويعات فيها، والوقفات التي تمنحها السطور في تقطيع موسيقي لا تعطيه الأبيات، إضافة إلى ضبط نهايات الأسطر بقوافٍ لا تطول أكثر مما يتطلبه الموقف في هذا التجوال.
وتابع: تجربته الأولى مع التفعيلة كانت عام 1942، لكنه لم يعلنها، بل سجلها في ديوانه الأخير “عائد من طفولتي”، وعندما نسرد سيرة هذا الشاعر الذي كوّن ثقافته ولغته بنفسه ولم يدخل مدرسة وعمل حداداً، فإننا نقدّر الطاقة الإبداعية والفكرية وحب الحياة لدى شاعر من وطننا تنافس كلماته أي نص نقرؤه اليوم.
موشحات راقصة
بدوره، قال محمد سمية: أتحدث عن “محور المرأة” في ديوانه “أوراق مهملة”، والتي يراها كما الشعر مرآة تعكس الوجود والفنون، فتنساب أحداثه معها كالجدول الرقراق، أو كبحار تثور، أو كألوان متنقلة ضمن القصيدة الواحدة قافية وروياً ليقترب من نمط الموشحات بإيقاع راقص يخطف الأنظار ويسلب القلوب.
أمّا عن محور “الإنسان” في مجموعته الأخيرة “عائد من طفولتي”، فأراها سمات العلائق بينه وذاته، وبين الدلالات وآفاقها، وبين المجتمع وتناقضاته، وهذه المحاور الثلاثة، تنطلق من الأنا التي هي ضمير الشاعر الحالم بالصدق والرومانسية والصفاء والجمال.