إرهاب خطوط الغاز.. من المستفيد من تفجير نورد ستريم2؟
هيفاء علي
تعرضت خطوط أنابيب الغاز “نورد ستريم2” إلى تفجير كبير مؤخراً في مياه مضيق الدانمارك بالقرب من جزيرة بورنهولم، ما يدل على أن عملية التفجير هي عملية عسكرية معقدة تم التخطيط لها، ومن المحتمل أن تشمل جهات فاعلة متعددة، حيث يرجح مراقبون أن تنفيذ العملية – التي تسببت في تسريبين بالقرب من السويد واثنين بالقرب من الدنمارك – تم بواسطة طائرات بدون طيار معدلة تحت الماء.
إن فكرة قيام المخابرات الروسية بتدمير خطوط أنابيب “غازبروم” هي أكثر من سخيفة، لأنه كل ما كان عليهم فعله هو إغلاق البوابات، فيما تؤكد مصادر دبلوماسية أن برلين وموسكو انخرطتا في مفاوضات سرية لحل قضايا فرعي الخطوط “ن إس1” و”ن إس2″، لذلك كان من الضروري إيقاف هذه المفاوضات. ومن وجهة النظر الجيوسياسية، فإنه لدى الطرف الذي فجر الخطوط الدافع لإيقاف اتفاق يوقف تحالفاً محتملاً في الأفق بين ألمانيا وروسيا والصين.
من المسؤول إذاً؟
إن إمكانية إجراء تحقيق “محايد” في مثل هذا العمل التخريبي الضخم صعب بعض الشيء، لأنه من المؤكد أنه سيتم العثور على شظايا من المتفجرات تحت الماء، وشظايا الطائرات بدون طيار المستخدمة في العملية، ولكن قد يتم العبث بالأدلة. بالطبع، لدى موسكو فكرة كافية عما حدث حيث تعمل الأقمار الصناعية، والمراقبة الإلكترونية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، لكنها لا تريد الإعلان عنها. ولكن تشير المعلومات إلى أن الفرضية تركز على القوات البحرية البولندية، والقوات الخاصة باعتبارهم مرتكبي جرائم بدعم هندسي وتخطيط أمريكي، ومساعدة عسكرية دانماركية وسويدية بالقرب من مياههما الإقليمية، رغم أنها حدثت في المياه الدولية، خاصةً أن هذه العملية مناهضة بشكل صارخ لألمانيا، ومن المرجح أن تتصاعد إلى حرب داخل الناتو.
كان لا بد من موافقة الأمريكيين على العملية برمتها، ونشرها تحت علامتهم التجارية “فرق تسد”، ويقصد بكلمة “الأمريكيين” في هذه الحالة المحافظين الجدد والليبراليين الجدد الذين يديرون آلية الحكومة في واشنطن، خلف رئيس مصاب بالشيخوخة. وبالتالي يعتبر هذا الأمر بمثابة إعلان حرب ضد ألمانيا، وضد شركات ومواطني الاتحاد الأوروبي، وليس ضد آلة “كافكا” في بروكسل، حيث أن الناتو هو الذي يحكم بروكسل، وليس رئيس المفوضية الأوروبية المسعور، الذي هو مجرد خادم متواضع للرأسمالية المالية. الغريب في الأمر أن السلطات الألمانية تلتزم الصمت، ولم تصدر أي بيان حول الحادثة حتى الآن.
الممر البولندي
لماذا تكون بولندا الصغيرة في مقدمة المسرح؟ حقيقة، هناك رهاب من روسيا، وعدد من الأسباب السياسية الداخلية المعقدة للغاية، وقبل كل شيء هناك خطة منسقة لمهاجمة ألمانيا على أساس الاستياء المكبوت، بما في ذلك المطالب الجديدة بتعويضات الحرب العالمية الثانية. علاوة على ذلك، يشعر البولنديون بالرعب من أنه مع التعبئة الجزئية لروسيا، والمرحلة الجديدة من العملية العسكرية الخاصة، التي ستتحول قريباً إلى عملية لمكافحة الإرهاب، فان ساحة المعركة الأوكرانية تتحرك غرباً. بالتأكيد سيتم تدمير الإضاءة والتدفئة الكهربائية الأوكرانية، وعندها سيحاول ملايين اللاجئين الجدد في غرب أوكرانيا العبور إلى بولندا، وفي الوقت نفسه، هناك شعور “بالنصر” يتمثل في الافتتاح الجزئي لأنبوب البلطيق في شمال غرب بولندا، بالتزامن تقريباً مع عملية التخريب. وهنا يتحدث المراقبون عن التوقيت المناسب، حيث ستنقل أنابيب البلطيق الغاز من النرويج إلى بولندا عبر الدنمارك. وتبلغ سعتها القصوى 10 مليار متر مكعب فقط، أي أقل بعشر مرات من الحجم الذي توفره “ن إس1″و”ن إس2″، ولذلك قد يكون أنبوب البلطيق كافياً لبولندا، ولكن ليس له قيمة لعملاء الاتحاد الأوروبي الآخرين.
في هذه الأثناء، ضباب الحرب يزداد كثافة مع مرور الوقت، ولقد ثبت بالفعل أن المروحيات الأمريكية كانت تحلق فوق نقاط التخريب قبل أيام قليلة، وأن سفينة استطلاع بريطانية كانت تجوب المياه الدانماركية منذ منتصف أيلول الفائت، وأن الناتو قام بالتغريد على “تويتر” حول اختبار “أنظمة جديدة بدون طيار في البحر” في نفس اليوم الذي وقع فيه التخريب.
في السياق ذاته، وكانت مجلة “دير شبيغل” الألمانية قد نشرت تقريراً بعنوان “وكالة المخابرات المركزية تحذر الحكومة الألمانية من الهجمات على خطوط أنابيب نفط بحر البلطيق”، والتي قد تكون طريقة ذكية لإنكار الواقع، فيما كان الأمر متروكاً للمتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لتقديم جرعة صحية من الواقع، عندما صرح قائلاً: “لقد شكل تلف خط الأنابيب مشكلة كبيرة لروسيا، التي كانت تفقد طرق إمداد الغاز إلى أوروبا. حيث كان كلا الخطين مملوءين بالغاز الجاهز لتسليمه إلى أوروبا. كما اعترف بيسكوف بشكل خفي أن المفاوضات مع ألمانيا جارية، مضيفاً أن هذا الغاز باهظ الثمن والآن كل شيء يطير بعيداً، وأكد مجدداً أنه لا روسيا ولا أوروبا لديها ما تكسبه من هذا التخريب، وخاصة ألمانيا.
على رقعة الشطرنج الكبرى، حددت قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند، قبل أسبوعين، إطار العمل لعالم متعدد الأقطاب في المستقبل، بالإضافة الى الاستفتاءات الأربعة التي جرت في أربع مناطق من أوكرانيا، والتي أعلن الرئيس الروسي انضمامها الى روسيا رسمياً يوم الجمعة الفائت، وهي لوهانسك ودونيتسك في الشرق، وزابوريجيا وخيرسون في الجنوب. ومع إغلاق نافذة الفرصة سريعاً لتحقيق اختراق من كييف قبل العلامات الأولى لفصل الشتاء البارد، والتعبئة الجزئية لروسيا للدخول في العملية العسكرية الخاصة التي تم تجديدها، وإضافة إلى الذعر الغربي الواسع النطاق، فإن إرهاب خط الأنابيب سيكون له تداعيات جسيمة. إنها حرب ضد روسيا والصين وألمانيا والقوى الأوروبية الآسيوية الأخرى، فقد تم ذبح ألمانيا، فيما تراقب الصين، حالياً، كل شيء بعناية فائقة، ولن يتم التوقف عن تخويف العالم من روسيا.
من وجهة نظر الساسة الأمريكيين، يجب سحق أي منافس محتمل للهيمنة الأمريكية، وخاصة “الدول الصناعية المتقدمة” مثل ألمانيا واليابان. وأيضاً يجب ألا تمارس أوروبا سيادتها أبداً، بل يجب أن نكون حريصين على منع ظهور نظام أمني أوروبي خالص من شأنه أن يقوض الناتو، ولا سيما هيكل قيادته العسكرية المتكاملة، فيما يتم تأجير كل هذه الأسلحة باهظة الثمن من قبل الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي لإرسالها إلى أوكرانيا. باختصار، المشكلة هي أنه مهما حدث في ساحة المعركة، فإن الاتحاد الأوروبي هو الذي سيتعين عليه دفع الفواتير الباهظة.