سورية: واشنطن والغرب حولوا منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أداة للتلاعب السياسي
لاهاي – سانا:
أكد السفير ميلاد عطية المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي أن سورية لطالما آمنت بأن اتفاقية الأسلحة الكيميائية مصدر خلاص العالم من فئة كاملة من أسلحة الدمار الشامل، وبأن مهمة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تتمثل في تنفيذ أحكام هذه الاتفاقية بمهنية، ونزاهة بعيداً عن التسييس.
وقال السفير عطية في بيان الجمهورية العربية السورية الذي ألقاه خلال افتتاح أعمال الدورة الواحدة بعد المئة للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي: في التطبيق العملي نجد أنه ومنذ عام 2018 يجري استخدام منظمة حظر الاسلحة الكيمائية كأداة لتنفيذ أجندات سياسية لبعض الدول الغربية ضد دول أطراف في الاتفاقية، وخير دليل على ذلك النهج الجديد في آلية اتخاذ القرارات داخل أجهزة صنع القرار في المنظمة، والذي أدى إلى حالة من الانقسام والاستقطاب داخلها، وبات الخوف جدياً على مستقبل هذه المنظمة، وأهدافها الفنية السامية في حال الاستمرار بهذا النهج.
وأضاف عطية في البيان: “يأسف وفد بلادي لاقحام هذه المنظمة الفنية مجدداً بقضايا جيوسياسية وأمنية ذات طابع إقليمي ودولي، وحرفها عن الأهداف التي أُنشأت من أجلها، حيث لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية بما قامت به طيلة السنوات التسع الماضية في سورية من فبركة مسرحيات استخدام أسلحة كيميائية أو التحضير لاستخدام تلك الأسلحة لاتهام الحكومة السورية بها، بل أعادت السيناريوهات نفسها مع الاتحاد الروسي في أوكرانيا لاتهام القوات الروسية بها، وغيرها من الاتهامات الأخرى، وفي هذا السياق تؤيّد سورية حق روسيا في الدفاع عن نفسها وحماية أمنها القومي رداً على السياسات الغربية العدوانية، فروسيا لا تدافع عن نفسها فقط بل عن العالم، وعن مبادئ العدل والإنسانية وعن حق الجميع في عالم يرفض منطق الهيمنة والقطبية الواحدة”، مشيراً إلى أن موقف سورية المؤيد للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، كان وسيبقى قائماً على اعتبارات ومبادئ سياسية وأخلاقية وقانونية راسخة.
ولفت عطية إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الغربية حولت هذه المنظمة إلى أداة للتلاعب السياسي أبعدتها عن مهنيتها وبالتالي قوضت مصداقيتها، ونسأل بكل أسف: هل ستتمكن المنظمة من الاضطلاع بولايتها بموجب الاتفاقية؟ وهل ستتمكن من الصمود أمام الضغوط التي تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين؟ إننا نشعر بالقلق البالغ إزاء الحالة التي وصلت إليها الأمور، وقد أصبح مطلوباً وقف هذا الانحدار المستمر في مسار عمل المنظمة، والشروع بشكل جاد وعاجل في تصحيحه للعودة بالمنظمة إلى تنفيذ ولايتها المنوطة بها.
وأكد عطية أنّ انضمام سورية إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية في العام 2013 كان نابعاً من إيمانها العميق برفض استخدام الأسلحة الكيميائية من قِبل أي كان، وفي أي مكان، وتحت أي ظرف، وأنه خلال ثمانية أشهر من تشرين الأول 2013 الى حزيران 2014 نفّذت سورية بأمانة ومصداقية قرارها السيادي بالانتهاء من الملف الكيميائي السوري، وتمّ ذلك بالفعل، وخلال وقت قياسي، وأنجزت ما لم تنجزه بعض الدول المنضمة قبلها إلى الاتفاقية بسنوات عديدة رغم الظروف الصعبة والمعقدة جداً التي مرت وتمر بها سورية.
وتابع عطية: لقد واجهت سورية حملة غير مسبوقة تاريخياً من التشكيك والاتهامات الباطلة بعدم التعاون مع المنظمة وأمانتها الفنية، وإن سلوك تلك الدول يتناقض بشكلٍ صارخ مع نصوص الاتفاقية، ومع مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وما هو إلا محاولة لتوظيف المنظمة، وما تبقى من الجوانب الفنية في الملف الكيميائي السوري لخدمة أغراضها السياسية المتمثلة بممارسة الضغوط على سورية، ومع كل ذلك فقد استمرت سورية في تعاونها الإيجابي التام مع المنظمة، والتزمت بحوارٍ منظم مع (فريق تقييم الإعلان) من خلال جولات المشاورات التي بلغت أربعاً وعشرين جولة بهدف إنهاء ما تبقى من مسائل فنية عالقة.
وأوضح عطية أنه كان لافتاً ما جاء مؤخراً في تقارير الأمانة الفنية للمنظمة من اتهامات باطلة لا أساس لها، والتي أشارت فيها إلى أن سورية تعرقل عمل الأمانة الفنية، وأنها لا تريد عقد جولة المشاورات رقم 25 بين خبراء اللجنة الوطنية و”فريق تقييم الإعلان”، بينما الحقيقة هي أن سورية رحبت بكل ما اقترحته الأمانة الفنية انطلاقاً من حرصها الأكيد على إنهاء ملف المسائل العالقة، وعبّرت عن ترحيبها ورغبتها الجدية بطي هذا الملف إلى غير رجعة، وقد بات حقاً لسورية أن تعلن أن من يعرقل عقد جولة المشاورات المقبلة وحل المسائل العالقة هو الأمانة الفنية للمنظمة، ومن يملي سياساته من الدول الغربية ضد سورية.
وأضاف عطية: لقد عبّرت سورية، ومعها العديد من الدول في أكثر من مناسبة عن ملاحظات موضوعية تخص عمل بعثة تقصي الحقائق، ومع كل ذلك تعاونت سورية مع فرق هذه البعثة، وقدّمت لها كامل التسهيلات المطلوبة لإنجاح مهماتها، وفشلت بعثة تقصي الحقائق في أكثر من اختبار، والأدلة على ذلك واضحة لجميع الدول الأطراف، كما ثبت انحيازها وعدم مهنيتها، وتزويرها الحقائق في أكثر من تقرير أصدرته لغاية الآن، وخير مثال على ذلك تقرير حادثة دوما 2018، ونؤكّد في هذا الإطار على ضرورة تجاوز البعثة للعيوب المرتبطة بنهج وطرائق عملها، واحترامها أحكام الاتفاقية، والالتزام بالمعايير المهنية ووثيقة الشروط المرجعية التي جرى الاتفاق عليها مع سورية.
وشدّد عطية على أنّ سورية ما تزال على موقفها الثابت من فريق التحقيق، وتحديد الهوية منقوص الشرعية الذي أُعطي ولاية تخالف نصوص الاتفاقية، ولهذا فإن سورية إلى جانب دول أخرى لا تعترف بشرعية هذا الفريق وعمله وترفضُ أي مخرجات صدرت أو تلك التي ستصدر عنه مستقبلاً انطلاقاً من احترامها وتقيدها والتزامها بنصوص اتفاقية الأسلحة الكيميائية.
وبين عطية أنّ اتساع رقعة التهديدات الإرهابية الكيميائية تشكل تهديداً جدياً للأمن والسلم الدوليين، ولا توجد دولة في مأمن من هذا التهديد الخطير، وقد أكدت سورية في أكثر من مناسبة أنّ سلوك بعض الدول الغربية في التغطية على جرائم وممارسات المجموعات الإرهابية في سورية، وتجاهل ما قدمته سورية من معلومات موثقة في هذا المجال شجع أولئك الإرهابيين على ارتكاب المزيد من الجرائم البشعة بحق المواطنين السوريين بما في ذلك استخدام مواد سامة طيلة السنوات التسع الماضية.
وأشار عطية إلى ما أكدته سورية مراراً وتكراراً من أن تحقيق عالمية اتفاقية الأسلحة الكيميائية يمثل خطوة مهمة في ضمان إقامة نظام عالمي فعال ضد الأسلحة الكيميائية إلا أن هذا الأمر لن يتحقق دون إلزام (إسرائيل) بالانضمام إلى هذه الاتفاقية ووضع أسلحتها النووية والكيميائية والبيولوجية تحت الرقابة الدولية.
وختم السفير عطية بيانه بالقول: إنّ سورية تدعو إلى التعاون الدولي لمواجهة القيود غير الشرعية التي فرضتها بعض الدول المعروفة على نقل التكنولوجيا العلمية للأغراض السلمية إلى الدول النامية، وإخضاعها لإجراءات أحادية قسرية غير شرعية بهدف منعها من تحقيق التنمية الاقتصادية والعلمية لشعوبها، ومنعها من استخدام الكيمياء للأغراض السلمية في مخالفة صريحة لأحكام الاتفاقية وللقانون الدولي.
جدير بالذكر أن انعقاد هذه الدورة يستمر لغاية يوم الجمعة الـ7 من تشرين الأول 2022 ويُشارك فيها أعضاء المجلس التنفيذي وعدد من الدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة الكيميائية بصفة مراقبين كما ويشارك فيها الوفد السوري المؤلف من السفير عطية ونائبه الوزير المفوض الدكتور لؤي العوجى والملحق باسم الحنون ونور المقداد مسؤولة المتابعة في البعثة.