“منافق” على منبر الأمم المتحدة
عناية ناصر
يتطلب الأمر نوعاً خاصاً من الغطرسة من قبل رئيس للولايات المتحدة كي يتحدث في الأمم المتحدة، المكان الذي يفترض أن يتم فيه التمسك بالقانون الدولي والدفاع عنه، حيث يظهر ممثل أسوأ منتهك للقانون الدولي، كما هو متوقع في كل أيلول، عندما تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها السنوية.
لقد كان الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز مصيباً عندما تحدث عن الأمر في عام 2006 قائلاً: “بالأمس، سيداتي وسادتي، من على هذا المنبر، جاء رئيس الولايات المتحدة، السيد المحترم الذي أصفه بالشيطان، للتحدث كما لو أنه ملك العالم. أعتقد أنه يمكننا استدعاء طبيب نفسي لتحليل التصريح الذي أدلى به رئيس الولايات المتحدة. بصفته الناطق باسم الإمبريالية، جاء إلى الجمعية العامة ليشاركنا أفكاره البالية التي عفا عليها الزمن، في محاولة للحفاظ على النمط الحالي للسيطرة على شعوب العالم واستغلالها ونهبها”.
رحل شافيز، وجو بايدن هو ثالث رجل يشغل منصب رئيس الولايات المتحدة منذ مقارنة جورج دبليو بوش بالشيطان، لكن الكلمات صحيحة الآن كما كانت في ذلك الوقت، حيث كان خطاب بايدن هذا العام مليئاً بالمشاعر المعتادة حول كون الولايات المتحدة الضامن للسلام. وقال، من بين أمور أخرى، إنه ينبغي للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن “الامتناع عن استخدام حق النقض، إلا في حالات نادرة وغير عادية، لضمان بقاء المجلس ذا مصداقية وفعالية”.
ربما يعتقد بايدن أن بقية العالم يعاني من فقدان للذاكرة، ففي كل مرة يدين فيها أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة الفصل العنصري الإسرائيلي، يتوقع بشكل فوري تدخل الولايات المتحدة من خلال استخدام حق النقض في مجلس الأمن لحماية حليفها وشريكها في الجريمة. لقد استخدمت الولايات المتحدة حق النفض 12 مرة من أصل 14 مرة منذ عام 2000 لصالح “إسرائيل”. بمعنى إن أي اقتراح أمريكي يدعو إلى تغيير في هيكل مجلس الأمن هو بهدف إضعاف حق النقض للصين وروسيا ولجلب عملائها مثل ألمانيا واليابان.
كان محور خطاب بايدن هو مهاجمة روسيا بادعاءات كاذبة بوجود تهديد نووي، وهجوم غير مبرر، واتهامات بارتكاب جرائم حرب، لكنه لم يقم بذكر جرائم الحرب الأوكرانية الموثقة بشكل دقيق مثل قصف المدنيين في دونيتسك. والأسوأ من ذلك، أنه لم يكن هناك اعتراف بأن أوكرانيا وروسيا كانتا تتفاوضان للتوصل إلى حل حتى قامت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة بالتدخل وأفسدتا المحادثات.
كان خطاب بايدن مليئاً بالإسقاطات غير الصحيحة، وكل إدانة وُجهت ضد روسيا أو إيران أو فنزويلا كانت إدانة لسلوك الولايات المتحدة في العالم. لقد تغير العالم ولكن الإدارات الأمريكية لم تتغير، حيث لازالوا يتصرفون كما لو أن الولايات المتحدة لا تزال القوة المهيمنة التي ستحصل على ما تريده دائماً. صحيح أنه لديها عملة احتياطي العالم وأكبر جيش، لكنها لا تستطيع السيطرة على العالم دون الإضرار بنفسها وحلفائها.
لقد استخدمت الولايات المتحدة الأمم المتحدة بشكل ساخر للدعوة إلى فرض “منطقة حظر طيران” فوق ليبيا، ما سمح لها بتدمير تلك الدولة. كما أدت شراكاتها مع الإرهابيين إلى كارثة إنسانية شردت ملايين الأشخاص في كل من ليبيا وسورية، كما حولت انقلاب عام 2014 ضد الحكومة المنتخبة في أوكرانيا إلى حرب شاملة، وتسببت العقوبات التي فرضتها باستهداف للغاز والنفط الروسي في ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم، وألحقت الضرر بالاقتصادات الأوروبية أكثر من أي دولة أخرى.
وبينما كان بايدن يتكلم بالتفاهات والترهات والأكاذيب في الأمم المتحدة، التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بممثلين من الصين وكوبا وإريتريا وصربيا ولاوس والأردن ونيكاراغوا وإثيوبيا والجزائر وبوركينا فاسو والهند ومالي والسودان وجنوب السودان، غينيا الاستوائية، وسانت فنسنت وجزر غرينادين ، والمكسيك من بين دول أخرى، الأمر الذي يدحض ادعاءات واشنطن بأن روسيا دولة معزولة.
وبينما تنتقد واشنطن موسكو، فإنها تواصل تجاهل تصويت الأمم المتحدة بإنهاء العقوبات ضد كوبا، التي ستقوم هذا العام مرة أخرى بتقديم قرار يدعو الولايات المتحدة إلى إنهاء حظرها التجاري، حيث صوتت الولايات المتحدة و”إسرائيل” فقط خلال تصويت 2021 بـ “لا”، وسيكون للتصويت التالي نفس النتيجة، ويكشف عن كلمات بايدن الخادعة: “ستعمل الولايات المتحدة دائماً على تعزيز حقوق الإنسان والقيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة في بلدنا وفي جميع أنحاء العالم”.
إن الأمم المتحدة بحاجة ماسة إلى الإصلاح ، كما يجب أن يتغير تاريخ 75 عاماً من السماح للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالإملاء على بقية العالم، لكن من يجب أن يقوم بالتغيير؟ بالطبع ليست الولايات المتحدة التي لديها دائماً دوافع خفية ونوايا خبيثة وأياد قذرة.