الانتصار على الإرهاب استكمال لنصر تشرين
طلال ياسر الزعبي
أحدثت حرب تشرين التحريرية الصدمة الأولى في الكيان الصهيوني ومَن يدعمه من قوى الإمبريالية العالمية، حيث ظنّ هذا العدوّ أن نكسة حزيران عام 1967 ستُجبر العرب على القبول بالهزيمة والانكفاء عن المطالبة بأراضيهم وحقوقهم المغتصبة.
هذه الصدمة التي أحدثها الجيش العربي السوري في تل السقي وناب وجبل الشيخ وغيرها من خطوط الجبهة، أثبتت أن الحرب الخاطفة التي راهن عليها جنرالات الحرب الإسرائيليين طويلاً تحطّمت أمام بطولات الجيش السوري، بل أكدت للعالم أجمع أن الدعاية الصهيونية حول عجز العرب عن المواجهة لا يمكن أن تستمرّ، وأن الجيش الصهيوني الذي تمّ تصويره على أنه قوة لا تقهر تحوّل إلى نمرٍ من ورق، وخاصة في الأيام الأولى للحرب التي شهد فيها التنسيق السوري المصري ذروته، حيث تراكمت الانتصارات في الجبهتين، وصار العدو الصهيوني يستجدي وقفاً لإطلاق النار.
لقد رفعت هذه المعركة التضامن العربي في وجه الصهيونية والإمبريالية العالمية إلى مستويات قياسية، وغيّرت المزاج في الشارع باتجاه ضرورة إعداد العدّة لهزيمة هذا الكيان المغتصب ودحره عن الأراضي العربية المحتلة نهائياً، وأكدت أن هذا النصر ما كان ليتحقّق لولا حكمة القائد المؤسس حافظ الأسد والعزيمة التي أبداها في مواجهة الضغط الغربي لإيقاف الهجوم على الجبهة السورية منذ اللحظات الأولى، حيث تبيّن حجم التقهقر الذي مُني به الجيش الصهيوني (الذي لا يُقهر)، وبدأت في الدول الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة، الدعوات لإنقاذ الصهاينة من هزيمة محقّقة ستلحق بجيشهم.
أهم ما ميّز هذه الحرب أنها أكدت أنه بالعزيمة والإصرار والتضامن والابتعاد عن القرارات الأحادية يمكن للعرب أن ينتصروا في جميع المعارك التي يخوضونها، وأن الحقوق لا تُستجدى بل تُنتزع، وأن عملية كيّ الوعي التي مارسها العدو الصهيوني لم تحقّق مبتغاها، بل إن هذه الحرب أسّست لنشوء فكر مقاوم للوجود الصهيوني، هذا الفكر الذي نشأ وترعرع في دمشق التي احتضنت جميع حركات المقاومة في المنطقة ولاسيما الفلسطينية، وقدّمت لها كل الدعم المادي والسياسي والعسكري، وعملت على حمايتها في وجه كل محاولات شرذمتها، حتى تمكّنت فيما بعد من قضّ مضاجع هذا الكيان الذي شعر بأزمة وجودية نتيجة إخفاقه في محو القضية الفلسطينية من ذاكرة العرب والفلسطينيين.
ونحن، إذ نستذكر تلك الواقعة، نؤكد أن هذا النصر هو نتيجة حتمية للتلاحم المصيري بين الجيش العربي السوري وقائده وشعبه، حيث أثبت هذا الجيش مرّة أخرى أنه جيش الوطن بكل أطيافه، فكل محاولات الشرذمة التي تعرّض لها في العقد الأخير باءت بالفشل، لأن عقيدته الراسخة عصيّة على الاختراق، ولن يتحوّل هذا الجيش في غفلة من الزمن إلى جيش مرتزق بعد ماضٍ طويل من الصمود والتضحية.
وبالمقارنة، شهد العالم أجمع أن حكمة القائد المفدّى بشار الأسد وقدرته على قراءة المشهد المعقّد للحرب على سورية منذ اللحظة الأولى، فوّتتا الفرصة على جميع الأنظمة والكيانات، بما فيها الكيان المصطنع، التي كانت تخطط لتدمير سورية وتحويلها إلى دولة فاشلة، عبر دعم أخطر الحركات الإرهابية التي شهدها التاريخ في الحرب على هذا الجيش والقضاء عليه، أملاً بتحويل الشعب السوري إلى عصابات متناحرة، فكان النصر على الإرهاب التكفيري استكمالاً للنصر المؤزّر على الإرهاب الصهيوني في معركة تشرين.