الدولار يفقد جاذبيته
هناء شروف
علاوة على التسبب في أزمات الطاقة والغذاء، تسبب الصراع الروسي الأوكراني في أكبر موجة من تراجع الدولار منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وعلى الرغم من أن روسيا تقود حملة إزالة الدولرة لتعويض آثار العقوبات المالية التي تفرضها الولايات المتحدة على روسيا، إلا أن العديد من الدول الأخرى كثفت أيضاً من جهودها لإزالة الدولار، بسبب المخاوف المتزايدة بشأن تسليح الولايات المتحدة للدولار.
إن قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة القياسي بمقدار 75 نقطة أساس في 21 أيلول الفائت – الارتفاع الخامس لأسعار الفائدة والثالث بمقدار 75 نقطة أساس هذا العام – دون التفكير في عواقبه على الدول الأخرى، هو دليل آخر على أن الولايات المتحدة تستخدم عملتها كسلاح.
مع رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة مرة أخرى، تصبح الاقتصادات النامية بخطر كما حصل مع دول أمريكا اللاتينية عندما أجبرت على الدخول في أزمة ديون، بسبب الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في أواخر السبعينيات.
واليوم وبسبب صعود الصين والاقتصادات الناشئة الأخرى، فضلاً عن نمو الاتحاد الأوروبي، والوضع الدولي سريع التغير، تجد الولايات المتحدة صعوبة في الحفاظ على مكانتها كزعيم عالمي، خصوصاً مع تعثر الاقتصاد الأمريكي الذي قلل من أهمية الدولار.
في الماضي عندما كانت قيمة الدولار تتقلب أو ترتفع بشكل كبير، كانت معظم الدول تعتقد أن الولايات المتحدة ستحل المشكلة، لكن ليس بعد الآن. لقد فقدت العديد من الدول الثقة في الدولار، لأن الولايات المتحدة لم تفسد القضايا الدولية فحسب، بل فشلت أيضاً في حل مشاكلها المحلية، الأمر الذي جعل الدول الأخرى تدرك أن واشنطن فقدت قدرتها على حل المشكلات، حيث دفع هذا التصور بعض البلدان إلى تسريع حملتها لإزالة الدولرة.
الشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم تتدفق إلى سوق الأوراق المالية لزيادة رأس المال مما يؤدي إلى زيادة توسيع دائرتها المالية نظراً لأن الولايات المتحدة قوة اقتصادية ومالية رائدة، ولكن باستخدامها كل من الدولار والسوق المالية كسلاح دفعت الإدارة الأمريكية العديد من الشركات الصينية إلى الخروج من سوق الأسهم الأمريكية، الأمر الذي يقوض القيادة المالية للولايات المتحدة والمكانة العالمية للدولار.
في الماضي لم تبذل الدول الأخرى جهوداً أكبر لإزالة الدولار من اقتصاداتها، لأنها كانت تخشى أن تزداد معاناتها الاقتصادية إذا ضعف الدولار أكثر، لكن الآن بعد أن بدأت البلدان والمستثمرون بيع أو مبادلة أصولهم الدولارية بأصول بعملات أخرى، زادت فرص انخفاض قيمة الدولار وارتفاع العملات الأخرى. ومع ذلك، هناك عدد من القضايا التي تحتاج إلى معالجة لتطوير عملة احتياطي عالمية لمنافسة الدولار الأمريكي أو استبداله، بما في ذلك بناء دعامة ائتمانية قوية لزيادة استخدام تلك العملة والسيولة.
لقد جعلت الموجة الأخيرة من إلغاء الدولرة اتجاه النظام النقدي العالمي أكثر وضوحاً، فهل إذا اعترفت معظم دول العالم بعملة ما على أنها قادرة على استبدال الدولار، يتم قبولها كعملة احتياطية عالمية جديدة؟