عبقرية القيادة الروسية
ريا خوري
شهد العالم أجمع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حفل مهيب في الكرملين التوقيع على مرسوم جديد يعتبر مناطق لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون مناطق روسية بالكامل، وأن انضمام المناطق الأربع الجديدة يعبّر عن الإرادة الشعبية للملايين، وأنّ سكان تلك المناطق الأربع باتوا مواطنين روس إلى الأبد، وتعهد بالدفاع عنها تماماً كما يتم الدفاع عن موسكو.
وما لا شك فيه أن انضمام الأقاليم الأربعة إلى روسيا قرار استرتيجي كونه يتيح للقيادة الروسية السياسية والعسكرية اتخاذ قرارات حاسمة باستخدام أسلحة استراتيجية متقدمة لحماية روسيا ومواطنيها وأمنها القومي الاستراتيجي من العدوان.
وليس من المستبعد أن تكون إدارة الرئيس بوتين قد وضعت في الاعتبار ما يلحقه انضمام هذه الأراضي لروسيا الاتحادية من تأثير كبير في إضعاف الخصم الأوكراني اقتصادياً، كون تلك الأقاليم غنية بالموارد الطبيعية، وهي خطوة استراتيجية مهمة تدل على عبقرية القيادة الروسية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نحو سبعين بالمائة من الثروات تتركز في تلك الأقاليم، فضلاً عن أنها تشكّل عقدة استراتيجية مهمة لشبكة المواصلات البرية والبحرية التي تمر بها صادرات البلاد إلى البحر الأسود، وصولاً إلى الشرق الأوسط عبر البحر الأبيض المتوسط وبقية أنحاء العالم. وسيكون من شأن انضمامها إضافة قوة اقتصادية لروسيا في وقت تتعرض فيه للحصار والعقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة من قبل الغرب الأمريكي _ الأوروبي.
من جهتها، لم تحدث الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من شجبها واستنكارها للخطوة الروسية الاستراتيجية، أي تغيير جوهري في استراتيجياتها تجاه أوكرانيا، فهي لا تزال تتمسك بأن هذه الحرب ليست حربها في نهاية الأمر، وأنها لن تنجّر إلى الانخراط المباشر فيها لإدراكها حجم الخسارات والانتكاسات التي ستواجهها، لأن ذلك يعني اشعال حرب عالمية ثالثة مدمرة، ليس بمقدور البشرية جمعاء تحمل كلفها الباهظة، ورغم ذلك على الصعيد العملي تعزز دعمها العسكري لأوكرانيا، وتمنحها أسلحة أكثر قوة وقدرة في محاولة ضعيفة لإحداث توازن عسكري في حربها مع روسيا.
حتى الطلب الأوكراني العاجل، بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، لم يقابل بشكل إيجابي من الغرب الأمريكي _ الأوروبي. فقد سارعت ألمانيا إلى رفضه، واعتبار توقيته غير ملائم. وفي الولايات المتحدة، صرح ناطق باسم البيت الأبيض بأن ضم أوكرانيا لحلف الناتو، في هذه المرحلة، يعني انخراط الحلف في حرب ستكون عواقبها سلبية عليهم، بما يهدد باشعال حرب نووية ليس من مصلحة أحد اندلاعها، لذلك فإن الولايات المتحدة في الوقت الذي تقدّم فيه الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لأوكرانيا، إلا أنها تتردّد في قبولها عضواً في الناتو، وتُرجئ ذلك إلى ما بعد توقف حربها مع روسيا الاتحادية، وفي الوقت ذاته تواصل تحريضها الرئيس الأوكراني على مواصلة العمل العسكري، حتى آخر جندي أوكراني، وعدم الخضوع للمطالب الروسية.
هذه الأحداث تأتي وسط عملية تخريب متعمدة لخطوط الإمداد في الغاز الروسي في البحر للقارة الأوروبية، حيث شهدت مياه بحر البلطيق تسرّباً للغاز في أربعة مواضع مختلفة من خط أنابيب (نورد ستريم) بعد تعرضه لعمليات تفجير، وفق إعلان صادر عن الحكومتين الدانماركية والسويدية. وعلى الرغم من عدم تبني أي طرف لهذه العملية الخطيرة، فإن ذلك لا ينفي أن فاعلاً ما قد نفّذ هذه العملية لمحاولة الإضرار بروسيا، وأنها تأتي في إطار الحرب التي تدور رحاها الآن بين روسيا والغرب الأمريكي _ الأوروبي وأوكرانيا.