“وعد الآخرة”.. تطور بالستي في زمن الحصار
رغد خضور
لم تكن عاصفة الحزم بالمعنى الذي أرادت لها دول العدوان على اليمن أن تكون، بل كانت كما أرادها اليمنيون عاصفة على تحالف العدوان، حازمةً في تقرير مصير اليمنيين وفرض إرادتهم وحماية أرضهم والدفاع عنها.
فمنذ الأيام الأولى للعدوان، برزت قدرات القوات اليمنية واللجان الشعبية العسكرية، وتفردت على كافة المستويات، سواء من ناحية إدارة المعارك، أو لجهة الإعداد والتدريب والتأهيل والجهوزية العسكرية، وهذا كان واضحاً بكل العمليات التي قامت بها لدحر العدوان والتصدي له.
وعلى الرغم من زخم الهجمات التي شنها تحالف العدوان على اليمن، مستهدفاً بناه التحتية وقدرات قواته الدفاعية الجوية والبحرية، إلا أن ذلك لم يمنع صنعاء من تطوير قدراتها القتالية وأسلحتها، بل وتعدت ذلك لتصل إلى مرحلة الإنتاج المحلي للعديد من الأسلحة الإستراتيجية، ما مكنها من امتلاك ترسانة عسكرية ضخمة دخلت على خط المواجهة كان لها ثقلها في الميدان.
استمرارية المعارك وشموليتها، واتساع ميادينها، فرضت التوجه للدفاع الجوي والبحري أيضاً، غير أن خروج منظومات الدفاع الجوي والطيران عن الجاهزية، نتيجة استهداف العدوان لها، دفع نحو قطاعات أخرى تؤدي الغرض ذاته، فكان التفوق اليمني في التصنيع العسكري للصواريخ البالستية والمسيرات وغيرها، لتكون ذراعها الطويلة، ولعل العروض العسكرية للقوات اليمنية خير دليل على ذلك.
“وعد الآخرة”، العرض الذي شارك فيه خمسة وعشرون ألف مقاتل، وما تضمنه من أسلحة متطورة، لم يأت بشكل عبثي، بل جاء نتيجة طبيعية لما شهدته المنظومات الدفاعية اليمنية من تطور واضح على مدى سنوات حققت خلالها وحدات التصنيع العسكري إنجازات عظيمة، سواء فيما يتعلق بتطوير الأسلحة المتواجدة لتناسب ضرورات المعارك، أو لناحية إدخال منظومات محلية على خط المواجهة لتصبح سلاح ردع يتحدى قوى العدوان.
القوات اليمنية لم تستكن للحصار والعدوان المكثف على مواقعها، بل عملت على تعزيز قدراتها الدفاعية بحسب ما تقتضيه كل مرحلة لتصل إلى ما هي عليها اليوم من قوة وكفاءة في خوض المعارك، وما ظهر في “وعد الآخرة” وميدان السبعين، من أسلحة تجاوزت مرحلة التجريب، جاء في إطار سلسلة من التطور البالستي والاستراتيجي للأسلحة المستخدمة.
مجمعات التصنيع والتطوير والبحوث العسكرية اعتمدت، في المرحلة الأولى، بشكل أساسي، على ما كان متوافراً من سلاح لدى الجيش اليمني، وتنامت قدراتها التصنيعية لتواكب مستجدات المواجهة، حيث شهدت المراحل اللاحقة إدخال أنواع جديدة من الأسلحة والمنظومات القتالية، والتي مثلت قفزة نوعية في إحداث تغيير بمعادلة الردع بالنسبة للقوات اليمنية، واستفادت في سنوات الحرب الأولى من نماذج الصواريخ السوفيتية والصينية، حيث عملت وحدات التصنيع على تصميم صواريخ مطابقة لها، وكانت باكورة إنتاجها “النجم الثاقب 1-2” وسلسة صواريخ “زلزال”، وتلا ذلك العديد من تلك المنظومات.
الصواريخ اليمنية دخلت بعد ذلك مرحلة جديدة، إذ شملت على صواريخ باليستية وأخرى جوالة، فضلاً عن التقدم بمجال الدفاع البحري، ما ساهم في توسيع رقعة المواجهة لتشمل مواقع خارج أراضي اليمن، ويمكن إسناد ما قاله رئيس المجلس الأعلى، مهدي الشماط، بأن الصواريخ اليمنية باتت قادرة على ضرب أهدافها من أي نقطة في اليمن، إلى ما وصلت إليه الصناعة العسكرية في اليمن من تطور مكّنها من إنتاج أسلحة استراتيجية جعلت صنعاء قادرة على فرض معادلة الردع التي تريدها.
تنامي قوة الجيش واللجان وتطور قدراتهم، وخاصة بعد دمج القوات وإعادة تنظيم هذه المؤسسة العسكرية بناء على تجربة ثماني سنوات من القتال والمواجهة، تلك القدرات التي باتت بحوزتها ستسمح لهم بالاستهداف الدقيق الكفيل بتغير موازيين القوى، إن لم تكن قد تغير بالفعل.
وهذا الأمر بدا جلياً في العروض العسكرية، التي شهدتها المحافظات اليمنية من الحديدة إلى صنعاء، والتي شارك فيها الآلاف من مقاتلي الجيش واللجان وعرضت فيها أسلحة نوعية واستراتيجية، من منظومات صواريخ متطورة ومسيرات وألغام بحرية، تلك العروض أثبتت صلابة العقيدة العسكرية اليمنية، وأظهرت استعدادات وحدات الجيش اليمني وجهوزيتها للقضاء على أي خطر يهدد اليمنيين.
رسائل عديدة حملتها العروض اليمنية، فاختيار أماكن العرض بحد ذاته يظهر حجم الطمأنينة والسيطرة وتماسك الجبهة الداخلية، وهو تأكيد على أن الحدود اليمنية ليست للمساومة، وأن صنعاء، رغم مزاعم العدوان بتدمير إمكانياتها ورهانه على إضعافها، لا زالت قوية ولن تتنازل عن مطالبها.
والمفاجأة، التي لم يتخيلها طرف العدوان، كانت استعراض أسلحة بحرية نوعية، إذ كان التوقع لدى دول تحالف العدوان أن اهتمام الجيش واللجان كان منصباً على البالستيات والمسيرات، وأنهم استنفدوا كل قدراتهم في هذا الشأن، إلا أن ما ظهر في العروض العسكرية وعلى امتداد ساحات القتال نسف هذا التصور. كما أن هذه العروض كانت مؤشراً مهماً على امتلاك اليمنيين قرارهم بتصنيع السلاح وعرضه على العالم، وأن الجيش الوطني مستعد بكامل جهوزيته للقضاء على الخطر المحدق باليمن.