أغلبها مخزّن من العام الماضي.. أسعار خيالية للمدافىء والرقابة عمياء!!
لم تفتح العطلة الطويلة التي منحت للعاملين في الدولة أبواب السفر أمامهم، إذ لم يكن قرار السفر والترفيه عن أنفسهم هو ما يشغل تفكيرهم الذي استحوذت عليه هموم ومتطلبات الشتاء البارد، وغفلت عن تأمين متطلباته الجهات المسؤولة وسط تجاهل وتباطؤ و”ندرة” في توزيع المازوت والغاز وغلاء تصاعدي لأسعار المدافئ التي تفنن تجارنا في ابتكار “صيحات” جديدة بأشكال وقوالب تتناسب مع شتى أنواع الوقود بدءاً من الحطب وانتهاءّ بالسبيرتو، متناسين أن أرخص أنواع الوقود المستخدمة للتدفئة لا يكفي تأمينها راتب الموظف الحكومي ليومين.
حيل وتلاعب
تأخر الجهات المعنية بفتح باب التسجيل على مادة المازوت شرعن لتجار “السوداء” طرح كميات كبيرة من المادة وبأسعار خيالية لم تنخفض خلال فصل الصيف عن الـ 6000 ليرة، في حين وصلت إلى الـ 8000 ليرة سورية مع مطلع هذا الشهر، ليصبح المازوت له أهله وناسه البعيدين كل البعد عن ذوي الدخل المحدود ومن لا دخل عندهم هؤلاء اتجهوا نحو الحطب منذ سنوات مضت وقاموا بتحويل مدافئ المازوت إلى مدافئ تعمل على الحطب ليصيبه هو الآخر عدوى الغلاء لاسيّما بعد تجاوز سعر الطن منه المليون ونصف، ليستغلّ تجارنا مصائب المواطن وقلّة حيله بشراء المازوت والحطب والغاز بابتكار وسائل تدفئة “ستوك” كمدافئ “البيليت” ومدافئ السبيرتو والتي لم يتجاوز سعرها الـ 100 ألف مقارنة بأنواع أخرى من المدافئ التي فاق سعرها الـ 500 ألف، الأمر الذي فتح أعين التجار على إقبال المواطنين لشراء هذه المدافئ وقاموا بالتلاعب أيضاً بسعر السبيرتو وإيصال اللتر منه إلى حائط الـ 10000 ليرة سورية بعد أن كان 5000، مبررين ذلك بأنه ورغم ارتفاع سعره إلا أنه متوفر بالأسواق ويمكن الحصول عليه بأي وقت على عكس المازوت المتوفر في السوق السوداء فقط!.
غياب الرقابة
من يتجول في سوق المناخلية سيلحظ ارتفاع سعر المدافئ بأنواعها أكثر من 150% عن العام الماضي دون حسيب أو رقيب على الأسعار، إذ يبدأ سعر مدافئ المازوت الصغيرة من 200 ألف وينتهي بالمليون حسب نوعها وجودتها، في حين لم يختلف سعر مدافئ الحطب عن السابقة إذ يبدأ سعرها أيضاً بـ 100 ألف وتتجاوز بعض أنواعها المليون ليرة، كذلك لم يؤدِ شح الكهرباء إلى انخفاض سعر مدافئها بل على العكس دخلت هذه المدافئ أيضاً بماراثون الارتفاع ليتجاوز سعر بعض أنواعها الـ 500 ألف، وسط غياب وتجاهل الجهات المختصّة عن ضبط التلاعب بالأسعار، لاسيّما وأن أسعار المدافئ ذات الماركة الواحدة يختلف من محل لآخر بالآلاف دون أي تبرير من التجار الذين يؤكدون ركود السوق وعدم نشاط حركة الشراء ناهيك عن أن الكثير من المدافئ المعروضة هذا العام كانت قابعة في المستودعات منذ العام الماضي بالتالي لم يتكبّد التاجر تكاليف إضافية تبرر له رفع الأسعار.
صناعات ثقيلة!
مدافئ معروضة بأشكال تُبهر الناظرين، لكن مع غياب تام للجودة، فحسب رأي الصناعي “أيمن كوكش” لا زالت صناعتنا منذ انتهاء سنوات الحرب تتخبط في مكانها إن لم نقل تتراجع إلى الخلف، لافتاً إلى أن الحديث عن نهوض صناعتنا لا زال مبكراً في الوقت الذي لا زلنا عاجزين عن تأمين المواد الخام الداخلة في الصناعات البسيطة، أو حتى إعادة إقلاع الكثير من المعامل المتوقفة منذ عشر سنوات فرغم مطالبات أصحابها وقدرتهم على ترميميها إلّا أن أسباب لا زالت مجهولة بالنسبة لنا ولهم تحول دون إقلاعها وتعبّد الطريق أمام التراخي والغش والتلاعب بالكثير من الصناعات البديلة والمقلّدة ذات الجودة “الصفر” وطرحها في الأسواق بأسعار خيالية واضطرار المواطن لشرائها لعدم توفر “الأصلي”، ناهيك عن محاباة المستوردين وتفضيل الحكومة للاستيراد أكثر من التصنيع المحلي في الكثير من المطارح، فالمطلوب اليوم برأي كوكش الإسراع بعودة القطاع الصناعي الوطني إلى الواجهة و بشكل قوي لكن مع تصحيح الأخطاء التي كان يتعرض لها من الروتين واستيلاء بعض الأشخاص على نقاط معينة من أجل مصالحهم الخاصة ومنافعهم الشخصية، ولا بد أيضاً من إعادة هيكلة هذا القطاع بشكل جديد يتلاءم مع المستجدات و الظروف الراهنة وبرؤية مستقبلية تساعد على بناء اقتصاد قوي ومتين ليتواكب مع الصناعات الحديثة و تحقيق الصناعات الثقيلة ليتحقق الاكتفاء الذاتي للصناعة السورية.
طاقات بديلة
في المقابل لم يُلقِ الاقتصادي “إسماعيل مهنا” اللوم على الصناعيين الذين لازال الكثير منهم حتى اليوم في حالة عجز عن الإقلاع، في حين يحاول القسم الآخر تقديم صناعة تتناسب مع الإمكانيات المادية والمستلزمات الموجودة بين الأيدي، فالعقوبات الاقتصادية والغلاء العالمي أثر بشكل كبير على صناعتنا المحلية لاسيّما المعدنية والكهربائية والتي تعاني من صعوبة في استيراد المواد الداخلة بصناعتها، وألقى مهنا اللوم الأكبر على تجار الأزمات الذين يتلاعبون بالأسعار وعدم تقييدهم بهامش ربح معين لكل سلعة معروضة، فالصناعي يضع هامش ربح معروف ومحدد ويتناسب مع تكلفة صناعة السلعة في حين يُطلق التاجر العنان لنفسه بوضع أسعار “على مزاجه” وحسب حاجة “جيبته المبخوشة”، لافتاً إلى ضرورة إلزام التجار بإظهار فواتير حقيقية بالأجهزة المصنعة حديثاً والتي طرأ عليها تعديل مع ارتفاع سعر الصرف وتكاليف الإنتاج والشحن وغيره من الحسابات الداخلة في وضع سعر المنتج، وبين الأجهزة المعروضة والتي كانت مخزّنة في المستودعات منذ أعوام، فضبط أسعار السلع لا يستلزم ابتكار آليات عبقرية وإنما يحتاج فقط إلى قرار جدي يخرجها من إطار التنظير والأماني المشكوك في نياتها، ونوّه مهنا إلى أهمية التوجه إلى الطاقات البديلة في سورية والتي تحتاج إلى إدارة سليمة من خلال توسيع نطاق استخدامها في مشاريع كبيرة لا حصرها في الاستخدام المنزلي، مع ضرورة التشجيع لفتح مشاريع لبدائل الطاقة مع وجود إدارة اقتصادية مختصّة بتشجيع اختراع الطاقات البديلة.
ميس بركات