بوركينا فاسو تنضمّ إلى الانتفاضة الأفريقية بوجه فرنسا الاستعمارية
تقرير إخباري:
بوركينا فاسو الدولة الأفريقية التي سبق أن نجحت على يد زعيمها الوطني توماس سانكارا الذي لقّب “تشي غيفارا أفريقيا” بالتحوّل إلى دولة اشتراكية في الثمانينيات، بل حقّقت الاكتفاء الذاتي في غضون عامين فقط من حكمه بعد قيامه بقطع العلاقات مع الغرب ومنظماته المانحة المشبوهة، وعلاوة على ذلك دعت تلك الدولة الوطنية إلى تعميم تجربتها على كل أفريقيا، ولكن للأسف سرعان ما عصفت بها يد الغدر الفرنسية الاستعمارية، عبر انقلاب مدعوم من استخباراتها عام 1987 أطاح بذلك الزعيم الرمزي الوطني واقتاد البلاد إلى حظيرة الدول التابعة للسيطرة الفرنسية التي طالما استعمرت ونهبت خيرات الشعوب في أفريقيا وغيرها من المناطق.
وفي السنوات الأخيرة أصبح الإرهاب وتمدّدُ تنظيمات التكفيريين كـ”القاعدة وداعش”، وعدم الاستقرار السياسي وقتل آلاف الأشخاص ونزوح الملايين، وفشل التنمية السياسية والانقلابات، وانتشار الفقر والمجاعات، أموراً تشكّل السمة الأساسية لهذه الدولة خصوصاً، ولمعظم دول أفريقيا التي عاثت فيها فرنسا فساداً عموماً.
وعلاوةً على ذلك، شارك الجيش الفرنسي فيما يسمّى “عملية برخان” منذ سبع سنوات بذريعة محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي التي تشمل دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي لم تحقق على الأرض سوى دخول المزيد من المجموعات التكفيرية للبلاد بحجة أنهم قوات تابعة لفرنسا مهمّتها دحر الإرهاب.
ومن خلال قراءتنا لمجريات الأحداث شهرياً نلحظ مقتل عشرات المدنيين والعسكريين، مع أخبار لتصفية العشرات من الإرهابيين من الجانب التكفيري المعادي للدولة والشعب البوركيني، في مسلسل لا نهاية له، مع حصار لمناطق شمال البلاد وقطع لأوصالها لتجويع وإبادة سكانها، في مشهد ربما لا يختلف كثيراً عمّا يجري لدى جارتيها النيجر ومالي.
كل هذه الأمور كانت سبباً لإشعال عملية انقلابية تعدّ الثامنة في تاريخ بوركينا فاسو، بعد 8 أشهر فقط من الانقلاب السابق، وتمّت إقالة اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا من منصبه كرئيس لـ”الحركة الوطنية للإنقاذ والإصلاح” وهي الهيئة الحاكمة للمجلس العسكري، ليخلفه زميله في الانقلاب السابق النقيب إبراهيم تراوري الذي أصبح الرئيس الجديد للمجلس، الذي كان قائداً لفوج مدفعية كايا في شمال البلاد المتضرّر بشكل كارثي من الهجمات الإرهابية، في مشهد يوضح أن الحراك السياسي أصبح ملكاً للقيادات الوسطى وليس للجنرالات، وذلك ينمّ إلى حدٍّ كبير عن انفصال الجنرالات عن مصالح بلادهم وغرقهم في مستنقع الغرق الفرنسي التآمري وأدواته التكفيرية.
لقد أكّد النقيب إبراهيم قائد الانقلاب أن داميبا لجأ إلى قاعدة فرنسية بعد إجباره على الاستقالة، وهو يخطّط لشنّ هجوم معاكس ضد جهات داخليةٍ وخارجية تحاول اتخاذ القرار في بوركينا فاسو، لزعزعة الأمن مجدداً، مشيراً إلى أنّه يبحث مع زملائه عن شركاء جدد لإنقاذ البلاد من الإرهاب الذي لم ينجح سابقه في تخفيف وتيرته، بل على العكس كانت الأحداث الدامية تتكرّر بشكل أكبر.
فقد أصبحت بوركينا فاسو أكثر المناطق اضطراباً وقدّرت المساحات الخارجة عن السيطرة بأكثر من 40%، مع هشاشة كبيرة في المنظومة الأمنية في البلاد.
أما الشعب البوركيني فقد قال كلمته منذ الساعات الأولى التي تلت الانقلاب عبر تجمهره في مظاهرات حاشدة وبالآلاف، مندّداً بالتدخل الفرنسي الاستعماري في بلاده، ومطالباً بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي في كل منطقة الساحل الأفريقي، وكان اللافت أيضاً تنامي ظاهرة المطالبة بإقامة التعاون العسكري والأمني وتوثيق العلاقات مع الجانب الروسي كمخلّصٍ من لعنة الإرهاب وعدم الاستقرار في معظم دول أفريقيا.
ففرنسا تحتفظ بوجود عسكري في بوركينا فاسو عبر قوة سابر، وهي وحدة من القوات الخاصة تتمركز في كامبوينسين على بعد 30 كيلومتراً من العاصمة واغادوغو، وغياب الدور الروسي عن هذه المنطقة بسبب تركيز جهوده حالياً في محاربة الناتو والتصدّي له يسبب المزيد من التدخل الاستعماري الفرنسي في المنطقة، وهناك مخاوف كبيرة من اندلاع حرب أهلية وتنامٍ للجماعات التكفيرية، التي تستغلّ الفرصة الآن لإعادة تنظيم صفوفها بدعم لا محدود من القوى الغربية القلقة من دخول روسيا على الخط لإنقاذ المشهد، وارتفاع الأعلام الروسية وأعلام قوات “فاغنر” من متظاهري الشعب شكل ظاهرة عفوية تشابه ما قام به الشعب الغاضب من فرنسا في مالي، مع التقدم اللافت الذي حققه الوجود والتدخل الروسي في حفظ الأمن في تشاد ومالي وليبيا، آملين التخلص من ظاهرة كثرة الانقلابات التي ينسبها الجميع للدور الفرنسي المشبوه في القارة السمراء، بشكل زاد من قوة الانحدار الشعبي وحتى الحكومي تجاه الغرب عموماً، وزاده الغضب من ممارسات فرنسا وما نجم عنه من الفقر وتدهور العملة بعد ربطها بالفرنك الفرنسي، وسيطرتها على القرار.
فرنسا ورغم كل ما ذُكر آنفاً تدّعي أن وجود روسيا هو سبب فشلها الذريع، طبعاً هذا الكلام غير مقبول أو غير مسؤول، فكيف لفرنسا التذرّع بذلك رغم أن حجم القوات الروسية لا يتعدّى الألفي جندي في كامل الساحل الأفريقي وليبيا؟، وفي صورة توضح انتقال فرنسا للحرب الإعلامية المكثفة ضد الروس بشكل لا يختلف كثيراً عن سياسة الروسوفوبيا الجاري نشرها من الحكومات الغربية لشعوبها عموماً.
وتنكر فرنسا كمن يختبئ خلف إصبعه الاستقرار اللافت الذي تحقق في وسط أفريقيا بسبب الوجود الروسي الذي أفشل بشكل تام كل المحاولات الفرنسية لخلق حالة من عدم الاستقرار.
وعلينا ألا ننكر تنامي الدور الوطني الجزائري لإعادة الاستقرار للمشهد الأفريقي النابع من إيمانها بأن عودتها لجيرانها سيشكّل رافعة مهمّة في كثير من القضايا المصيرية، ما سيساهم قريباً في استقرار الوضع في بوركينا فاسو بالتعاون مع الروس والقوى الوطنية في البلاد، وفي أفريقيا عموماً، بعد أن باتت الجزائر تتلقى أيضاً الطلبات من الشعوب الأفريقية لتحريك آلتها الدبلوماسية في حلّ النزاعات سواء الداخلية أم الخارجية على مستوى كامل القارة السوداء، وهي تحاول بكل ما أُوتيت رأب صدع تلك الخلافات العميقة، ورأينا كيف هرع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة الجزائر برفقة وفود عسكرية وأمنية محاولاً إنقاذ وجودٍ يفقده يوماً بعد يوم في كل الساحل الأفريقي، وخاصةً بعد الانسحابات الكبرى لقواته من المنطقة.
بشار محي الدين المحمد