الأشباح فوق منطقة آسيا والمحيط الهادئ
ترجمة: هناء شروف
يبشر امتداد الناتو في منطقة آسيا والمحيط الهادىء بمستقبل قاتم للمنطقة، ففي 7 أيلول الماضي عقد ممثلو الشركاء الأربعة للحلف في المنطقة، وهم اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الحنوبية، اجتماعاً على هامش حوار سيول الدفاعي لعام 2022. كان الاجتماع متابعة للقمة الرباعية للدول الشريكة في المنطقة خلال قمة الناتو في حزيران 2022، وكان إشارة إلى أن توسع الناتو وتواجده في منطقة آسيا والمحيط الهادئ له تداعيات عميقة على الأمن الإقليمي.
أولاً: سيؤدي محور حلف الناتو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى تكثيف المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، حيث تسعى الولايات المتحدة بسبب تراجعها الاقتصادي، وقلقها الاستراتيجي، إلى الاستفادة من موارد تحالفها لتقويض القوة الشاملة للصين ونفوذها العالمي في محاولة لإعادة ميزان القوى لصالحها. وبالفعل قامت الولايات المتحدة بإحياء وتحديث الحوار الأمني الرباعي مع اليابان وأستراليا والهند لجعله آلية أمنية كاملة، حيث يهدف التعاون الأمني بين أعضاء المجموعة الرباعية إلى استبعاد الصين. وليس هذا فحسب، فقد تعاونت الولايات المتحدة، إلى جانب الرباعية، مع حلفاء آخرين لوقف طموحات الصين، ولهذا الغرض أنشأت إدارة جو بايدن “أكوس”.
يمكن أن يؤدي تدخل الناتو في التنافس الصيني الأمريكي إلى تصعيد سباقات التسلح والفضاء التي بدأتها الولايات المتحدة، مع تفاقم المنافسة في المجالات الإلكترونية، والبحرية، والقطاعات التكنولوجية، والصناعية الرئيسية، والبنية التحتية الحيوية، والمواد الاستراتيجية، وسلاسل التوريد.
ثانياً: قد يؤدي محور حلف الناتو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى دفع التنافس بين الصين والولايات المتحدة إلى مواجهة المعسكرات، فقد اتهم الحلف الأطلسي، الذي تقوده الولايات المتحدة، الصين بتكثيف التعاون العسكري مع روسيا، مدّعياً أن الصين اصطفت مع روسيا في الصراع الروسي الأوكراني.
لقد جدد الأعضاء الأوروبيون الرئيسيون في الناتو، وهم المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وهولندا، اهتمامهم بـ “المحيطين الهندي والهادئ” من خلال إرسال سفنهم الحربية على بعد آلاف الكيلومترات إلى غرب المحيط الهادئ للانضمام إلى التدريبات العسكرية مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، وهو بالتالي ما سيؤدي إلى تدهور العلاقات الصينية الأوروبية.
ثالثاً: يمكن أن يفسد محور الناتو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ جو التعاون الإقليمي، حيث بدأ التعاون الاقتصادي الإقليمي وشبه الإقليمي يتباطأ، حيث من المحتمل أن تؤدي تحركات الناتو التخريبية إلى تآكل الاعتماد الاقتصادي المتبادل الإقليمي في محاولة لإعادة التعاون الإقليمي إلى التعاون الاقتصادي الغربي الحصري.
رابعاً: سيؤدي تركيز الناتو على منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى زيادة التوترات الناشئة عن قضية تايوان التي لم تحل والنزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وشبه الجزيرة الكورية. وفيما يتعلق بنزاعات بحر الصين الجنوبي فإن وجود الولايات المتحدة وأعضاء الناتو سيحول بحر السلام إلى بحر من تنافس القوى العظمى تهيمن عليه السفن الحربية، كما سيحاول الناتو عرقلة إعادة توحيد الصين لأن دعمه العسكري لسلطة تايوان سيؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار عبر مضيق تايوان.
إن هدف محور حلف الناتو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ واضح، وهو تقويض تنمية الصين، وممارسة النفوذ الدولي في مواجهة صعود الصين، إذ تتوق دول الناتو إلى الحفاظ على مصالحها الخاصة وقواعدها الدولية غير العادلة.
أمام هذه التحديات الكثيرة التي يفرضها محور الناتو، من الضروري أن تتحلى الصين بالصبر والتكيف معها من خلال:
أولاً: تحتاج الصين إلى تعزيز قدرتها على حماية السلام والأمن وشحذ تفوقها في مواجهة الآلة العسكرية لحلف الناتو، وينبغي عليها أن تحذر من الانزلاق في فخ سباق التسلح.
ثانياً: تحتاج الصين إلى تحسين قدرتها على تطوير وتنفيذ نظام سليم لإدارة الأزمات من خلال تقييم التطورات الأخيرة في النقاط الساخنة الإقليمية، ويمكن للصين اتخاذ التدابير اللازمة بما في ذلك إنشاء المزيد من القنوات والآليات لتجنب المخاطر ذات العواقب غير المقصودة مع ضمان حماية المصالح الأساسية للصين.