ثقافةصحيفة البعث

انطلاق أيام الفن التشكيلي السوري.. “سبعون عاماً من الحداثة”

ملده شويكاني

فاتح المدرّس الشاعر السريالي والقاص الواقعي والرسام بين التجريد والتشخيص والمهتم بالموسيقا والأكاديمي والنقابي، والذي تزامنت مئوية ولادته في حلب عام 1922 مع افتتاح أيام التشكيل السوري لعام 2022، فكان شخصية الموسم الخامس، الذي افتتح في دار الأوبرا بعنوان “سبعون عاماً من الحداثة”.

وقد حفل الافتتاح بتكاملية بين الفنون، إذ اختزلت متتالية الفيلم الصامت لوحات فاتح المدرس من مراحل متعددة، كما شاركت الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله بفقرة موسيقية غنائية.

وتألق الحفل بمعارض المكرّمين، ابتداء بمعرض استعادي لفاتح المدرس ضم مجموعة لوحات من مقتنيات وزارة الثقافة، تتوسطه لوحة “كفر جنة”، إلى جانب لوحة الدراويش وعرس في تدمر وزيتونات القلمون وغيرها، لتبقى لوحة أمه أكثرها تأثيراً.

وفي جانب آخر أفردت مساحة لعرض بعض لوحات المكرّمين الراحلين الفرد حتمل الذي جسد بلوحاته الأرض وعلاقتها بالمرأة في الريف، باحثاً عن التعبير الإنساني من خلال عناصر المشهد، مثل لوحة الأرض.

وعزّ الدين همت الذي صور الطبيعة بإحساسه المرهف بالدرجات اللونية والعلاقة بين الضوء والظل، مثل لوحته “من الغوطة”.

ود.عبد الكريم فرج الذي أوجد صياغات جديدة باستخدام الكولاج الممتزج بالحفر والتصوير.

كما عرضت منحوتات الفنان عبد السلام قطرميز، ولوحات تصوّر جزءاً من إبداع مجدي الكزبري بأعمال الديكور استوحاها من التراث السوري في العمارة والزخرفة والخط العربي، ولوحات الفنان طلال العبد الله الذي يعد من أهم الحفارين السوريين والعرب.

 

تأريخ الحداثة

وخلال الحفل ألقت الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة كلمة تحدثت فيها عن مرور سبعين عاماً على فوز لوحة “كفرجنة” –إحدى قرى حلب- للفنان فاتح المدرّس بالجائزة الأولى للتصوير في معرض رسمي أقيم في دمشق عام 1952، فكانت تأريخاً لانطلاق عصر الحداثة وتحرير الوعي الثقافي في الفنّ التشكيلي السوري، وإطلاقه إلى آفاق أرحب وأغنى حداثة تثور بأسلوبها وتقنياتها وأدواتها على المألوف، وتحرر الأذهان من المفاهيم والقوالب الفنية التقليدية ماضية بالتجديد بالأدوات والرؤى والأساليب، تنهل موضوعاتها من أصالة البيئة والتراث، وهذه خلاصة تجربة فاتح المدرّس.

الربيع والخريف معاً

وتابعت د.مشوّح عن النشاطات المتنوعة المترافقة مع أيام التشكيل من معارض ولقاءات وندوات تطرقت للمرة الأولى لمسألة تزوير العمل الفني وكيفية التصدي لها، وأشادت بمشاركة الصالات الخاصة بأحد عشر معرضاً إضافة إلى المراكز الثقافية في كل المحافظات، وهذا يدل على تضافر الجهود لتوفير بيئة مناسبة للإبداع.

وتوقفت د.مشوّح عند الحدث الهام بإقامة معرض سنوي في قاعة العرش في قلعة دمشق يجمع المتميزين من التشكيليين السوريين على اختلاف أعمارهم، فلا فصل ولا تمييز بين الربيع والخريف.

وقدمت د.مشوّح مع الأستاذ عرفان أبو الشامات رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية والأستاذ وسيم عبد الحميد مدير مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة شهادات تكريم لكل من عبد السلام قطرميز ومجدي الكزبري وطلال العبد الله.

مقطوعة فاتح المدرّس

قدمت الفرقة الوطنية للموسيقا العربية مجموعة مقطوعات للموسيقا الآلية والغنائية مع الكورال بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، فترجمت موسيقاه سيرة صاحب المجموعة القصصية “عود النعنع” والمجموعة الشعرية ديوان “القمر الشرقي على شاطئ الغرب”، والمبدع بآلاف اللوحات مراحل من حياته الإبداعية بمقطوعة فاتح المدرس، فبدأت بضربات التيمباني الخفيفة مع الوتريات، ثم دور آلات النفخ الخشبية والنحاسيات على وقع الطبل الكبير، لتصل المقطوعة إلى الذروة بمتتالية تصاعدية للإيقاعيات والنحاسيات مع ألحان التشيللو الرخيمة إيماءة عن الحداثة والتطور بالأساليب والمفاهيم، ثم عاد إلى رقة الوتريات، لتأتي القفلة القوية مع تشكيلة الفرقة.

الناي والتشيللو

كما قدمت الفرقة بمشاركة البيانو والأكورديون في مواضع، موسيقا حبيب العمر لفريد الأطرش تميزت بفاصل التشيللو، ومقطوعة أحلام اليقظة تأليف مهدي المهدي بدور البيانو، ووصلة لنصري شمس الدين، من أجملها “يامارق ع الطواحين” ثم الغناء الإفرادي لأغنية سواح لعبد الحليم حافظ غناها رماح شلغين فاستهل الغناء بصوته مع مرافقة خافتة للوتريات، ثم تشكيلة آلات التخت الشرقي والأكورديون والإيقاعيات، تخللها فاصل الناي، كما غنت مايا زين الدين العيون السود لوردة.

دور المدرّس النقابي

وعلى هامش الاحتفالية تحدثت البعث مع الأستاذ عرفان أبو الشامات رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، فأشاد بدور فاتح المدرس النقابي ومساهمته بتأسيس نقابة الفنون الجميلة التي أصبحت فيما بعد الاتحاد، إضافة إلى دوره بالحداثة التشكيلية، كما أثنى على أهمية مشاركة الصالات الخاصة بالمعارض خلال أيام التشكيل، وتابع عن مشاركة صالة الشعب بمعرض متوقفاً عند الفعالية الأهم افتتاح معرض الخريف ليتزامن مع أيام التشكيل.

تلوينات موسيقية

وأوضح المايسترو عدنان فتح الله في حديثه لـ”البعث” بأن مهمته كانت صعبة كون فاتح المدرّس جمع بين الأدب والفنّ التشكيلي والاهتمام الموسيقي، فقام بدراسة لوحاته ومتابعة لقاءاته إضافة إلى قراءاته الخاصة عن حياته، حتى استطاع أن يكون فكرة عنه، فعمل على محاكان اللون مع الموسيقا ببناء هارموني وتلوينات موسيقية.

العطاء والسلام

وأشاد د.شفيق آشتي بهذه الاحتفالية التي غدت تقليداً سنوياً ينتظره الفنانون، متمنياً دوام العطاء والسلام وازدهار الفنّ التشكيلي.

أما الفنان المكرّم مجدي الكزبري فأعرب عن سعادته وفخره بالتكريم مبيّناً بأن تكريمه تكريم لكل مهندس ديكور في سورية.

في حين عبّر الفنان عبد السلام قطرميز عن تكريمه بأنه دين ووفا لأن سورية رعت المبدعين وعلمتهم، ورد الجميل والعرفان بأعماله.

وبكلمة أخيرة أكد الناقد سعد القاسم بأن الهدف من الاحتفالية تعزيز حضور الفنّ التشكيلي الذي صمد واستمر خلال الحرب.