عدم التجاوب مع تطوير مؤسستنا البريدية يحرم الخزينة من عائدات هامة وقنوات الخدمات المالية الرقمية
البعث- قسيم دحدل
لا شك أن تطوير عمل وبنية المؤسسة العامة للبريد سينعكس حكماً على تطور أدواتها وآلياتها وتوسع وتنوع خدماتها، وبالتالي على إيراداتها، كونها مرفقاً حيوياً يتعامل مع شريحة واسعة ومتنوعة من العملاء، ولكن وإلى الآن لا يزال العمل البريدي لدينا بحاجة للمزيد، ليتمكن من تلبية متطلبات العملاء.
ولعل المطالبات التي توجه لمؤسسة البريد اتساقاً مع تطور صناعة الخدمات وشموليتها، تظهر ضرورة التطوير، فعدم مدّ عمل الحوالات المالية وشحن البضائع حتى المساء بواقع وردتين من العمل صباحاً ومساء، أسوة بالقطاع الخاص، وعدم الاستجابة في زيادة عدد الكوات البريدية لتمتد أفقياً إلى كافة المدن والأحياء والأرياف، لا يمكن أن يكون سببه قيصر والعقوبات، أو أن الأمر متروك للخطط الخمسية القادمة..!
مطالبات دونما أي جدوى، رغم أن هناك قيمة مضافة ستتحقق من خلال التوسع وتحقيق المزيد في العوائد ومزيد من فرص العمل للشباب والشابات، يدعونا للتساؤل عن السبب الحقيقي..، في ظل تنامي استفادة القطاع الخاص من مثل هكذا واقع..!
إن التوسع الأفقي في آلية عمل نظام البريد يحقق إيرادات ضخمة وهائلة للخزينة العامة ويؤمن المزيد من فرص العمل، ولا ننسى الموثوقية بالقطاع الحكومي كآلية ضمان أكثر من القطاع الخاص، وهذه فوائد وميزات برأي خبراء اقتصاديين لا يمكن السكوت عن هدرها، وإلاًّ بماذا يمكن أن يفسر حرمان الخزينة من هذه الإيرادات الغاية في الأهمية بمكان..، والقصور في إعادة هيكلة بريدنا بما يخدم المصلحة العامة والهدف من التطوير والتوسع..؟!
ومن الجدير ذكره هنا أن مكاتب البريد عالمياً، لديها باع طويل في تقديم الخدمات المالية التي يعود تاريخها إلى عام 1861. ولقد قطعت شوطاً طويلاً منذ ذلك الحين، وبدأ معظمها بالدخول في تقديم الخدمات المالية الرقمية لعملائها. وبحسب إحصائيات جمعها الاتحاد البريدي العالمي فإن شبكة الخدمات المالية البريدية تضم على الصعيد العالمي 1.96 مليار حساباً تنتمي إلى ما يقرب من مليار عميل، وتظهر بياناته أن نحو 91% من مشغلي البريد يقدمون شكلاً من أشكال الخدمات المالية في البلدان والأقاليم الأعضاء في الاتحاد البريدي العالمي. كما يقوم ما يقرب من 900 مليون شخص باستخدام مكاتب البريد كمنفذ لإجراء المدفوعات أو استلامها.
إن مكاتب البريد تتحوّل بشكل متزايد إلى قنوات لتقديم الخدمات المالية الرقمية وذلك استجابة لاحتياجات العملاء، ومع ذلك فإن اعتماد واستخدام الخدمات المالية الرقمية البريدية يعانيان من نفس مصير أي تكنولوجيا جديدة. فالإقبال يكون بطيئاً وحذراً ويعود العملاء إلى ما اعتادوا عليه من استخدام الأموال النقدية، ولأجل ذلك لا بد من زيادة الثقة في البريد كمؤسسة؛ وهذا حكما سيؤدي إلى زيادة الإقبال على الخدمات المالية البريدية. وكذلك تمكين وتشجيع العملاء على التعامل مع البريد من خلال قنوات متعددة بما في ذلك المنصّات الرقمية.
وعليه ووفقا لتجربة الاتحاد البريدي العالمي في العمل مع مكاتب البريد من أجل تحقيق استراتيجية الخدمات المالية الشاملة، حدد الخبراء أربعة تدابير لزيادة الثقة في مكاتب البريد بشكل عام، وفي الخدمات المالية البريدية بشكل خاص، وتتمثل هذه التدابير بالاستفادة من العلامة التجارية للبريد، فالبريد كمؤسسة ذات مستوى عال من المشاركة المجتمعية، يحظى بقسط كبير من الثقة في عديد البلدان وليس كل البلدان. ويجب على مكاتب البريد الاستفادة من هذه الثقة التي تم تكوينها على مرّ السنين، وذلك من أجل تحسين نسبة الإقبال على الخدمات المالية.
كذلك تقديم مهارات التثقيف المالي والرقمي للعملاء، فالثقة تبدأ بفهم واضح للمنتجات والخدمات المالية التي يرغب العملاء في الحصول عليها، ويصبح هذا الوضوح والفهم أكثر أهمية عندما تكون المبالغ صغيرة ويكون لدى العملاء معرفة محدودة بالقراءة والكتابة أو بالمهارات الرقمية، وكذلك عندما لا يكونوا معتادين على استخدام التكنولوجيا، ويمكن لمكاتب البريد من خلال الاستفادة من انتشارها وتواجدها، أن تقوم بتوفير برامج تثقيفية وتعامل بشري من أجل شرح المنتجات والخدمات، وكذلك تعريف العملاء بالمهارات المالية الأساسية.
أما ثالث التدابير فتركز على التأكد من أن التعامل مع عميل البريد يكون آمن و بسيط و سلس وعليه يجب تبسيط إمكانية العملاء للوصول إلى الخدمات المالية البريدية، وذلك من خلال قنوات متعددة تهدف إلى جعل حياتهم المالية أسهل، كما يجب على مكاتب البريد أن تبذل جهودا لتوفير حلول بسيطة وفعّالة وقابلة للتفاعل المتبادل.
وأخيرا توفير إمكانية الوصول إلى أشخاص حقيقيين، حيث ان سهولة الوصول إلى التفاعل البشري سواء في مواقع خدمة العملاء أو بالقرب من العملاء، تعتبر من العوامل بالغة الأهمية التي تساعد على بناء الثقة في المؤسسات المالية البريدية، وهنا يجب الاستفادة من إن مكاتب البريد تتمتع بميزة طبيعية تميّزها عن المؤسسات المالية الرسمية عندما يتعلق الأمر ببناء الثقة مع عملائها، وذلك عن طريق الاستفادة من شبكات مكاتبها المتوفرة والتي غالبا ما تمتد إلى المناطق الريفية النائية بمساعدة من حاملي البريد.
Qassim1965@gmail.com