في مهبّ الواقعية
غالية خوجة
ما حال الكتابة الحلبية المعاصرة؟
لنبدأ بالمشهد القصصي في حلب، لنكتشف أنه يختلط بين الخاطرة والحكاية والقصة، وتتسم جميعها بالواقعية المباشرة، اليومية، المتشابهة لما حدث أثناء فترة الحرب الإرهابية العشرية على سوريتنا الحبيبة، فبين المعبر والقذائف والمعاناة الإنسانية الحياتية على كافة الصعُد، نستمع بين فينة وأخرى، ومن خلال الأمسيات إلى حالات تتشابه في الموضوع والأحداث والصياغة، وتتسيّد المباشرة والواقعية تفاصيل الزمان والمكان والشخصيات، فإما أن تختلط الحكاية بالخاطرة، أو تختلط بالإنشائية، أو بالاستطالات والحشو والوصف، مما يجعل الثيمة الموضوعية تتعلّب على الثيمة الفنية الجمالية، وتجعلنا نتساءل أين عوامل السرد وفنياته وتداخلاته؟ ولماذا لا نجد الحكاية المتناسلة من الحكاية مثلاً، أو السرد المتداخل مع الإشارية والرمزية، والسرد المبني على تداخلات النصوص وتناغمات الفضاءات؟ وأين النص اللا مكتوب – الفضاء الأبيض الذي للقارئ أن يستشفه وراء النص المكتوب أو الفضاء الأسود؟
أمّا عن الشعر، فتتألم كلماتي وهي تتساءل: أين القصيدة المحلقة النادرة الموجودة بعيداً عن المحاكاة والتقليدية والمباشرة والتصويرية والوصفية والنظمية والتكرارية؟
وبالنسبة للنقد، فلم يعد هناك ظاهرة تجعل الساحة الأدبية ساحة فروسية نقدية سواء من خلال الإصدارات، أو الدراسات والبحوث، أو من خلال الأمسيات التي يعبّر فيها كل من الحضور عن انطباعاته ومستوى ثقافته، لدرجة أن يقال: صوتها إذاعي، وهناك أخطاء نحوية ولفظية، وحمدت الله أن القصة بواقعيتها نقلتنا إلى لحظات عشناها جميعاً!
وهناك من لا يفقه في المصطلحات النقدية ورغم ذلك يتحدث بها معبّراً عن انطباعاته فتختلط المعايير والمفاهيم بالمجاملات والآراء المسبقة.
المشهد الأدبي في حلب بحاجة إلى نهضة ثقافية جادة تتسم بابتكار مشروع ثقافي إبداعي يهتم بالأجيال من أطفال ويافعين وشباب، تتضافر فيه جهود الجهات المعنية جميعاً، وأن تبتكر أساليب جديدة مثل الورشات الكتابية والفنية والأمسيات التشجيعية في الهواء الطلق، والمهرجانات الشهرية، ولا بأس من ابتكار ساعات معينة في أيام معينة في أماكن عامة معينة لعقد الجلسات الأدبية والثقافية والقراءات لتكون موجهة للعامة، فتتحاور معهم، وتكتشف المواهب العابرة على الأرصفة وفي الشوارع والحدائق العامة وحول محيط قلعة حلب، وماذا لو ابتكرنا مشروع الأدباء المتجولين في الأماكن العامة، ليقرأوا نتاجهم ويستمعون لآراء الناس.
وما أجمل أن تترافق هذه الفعاليات مع العازفين الموسيقيين، ومع الفنانين التشكيليين الذين يرسمون لوحاتهم من وحي ما يسمعونه – لحظتها ـ من قصص وشعر.
المشهد الأدبي بحاجة لإعادة صياغة إبداعية، وتخطيط منهجي، واستراتيجية مفيدة لجذب الأقلام الجديدة والمتابعين الجدد، وإذا لم نشخّص المرض، فلن نصل للعلاج، فلا يكفي أن نردد المثل القائل “جُدْ بالموجود”، لأن الموجود يكرر نفسه بسلبية، والنص ذاته يُقرأ مراراً في أوقات متقاربة، ومنصات عديدة، وقد يقرأ على المنصة ذاتها أكثر من مرة في السنة!
ولا تبتعد معارض الفن التشكيلي عن هذه الميزة، فأغلب لوحات المعارض، ومنها المشتركة، هي ذاتها، ولذلك، ماذا علينا أن نفعل؟
ربما من الممكن إنشاء مزاد حكومي للفن التشكيلي السوري ضمن الفضاء الالكتروني باسم مزاد الفنون السورية، وإنشاء موقع حكومي لبيع الكتب الكترونياً، وقراءتها بشكل مدفوع، إضافة إلى إنشاء موقع ليكون معرضاً دائماً للكتاب السوري، ومن الممكن توظيف “اليوتيوب” وإنشاء القنوات المناسبة للفنون والآداب والفعاليات لنتشارك مع العالم تفاعلياً، خصوصاً، عندما نقيم الأنشطة في الأماكن العامة ومع الناس.