في الصباح والمساء .. طلاب “ضالون” خارج أسوار المدارس من المسؤول وما هي الحلول؟!

البعث الأسبوعية -غسان فطوم

قبل سنوات الحرب لم نكن نلحظ بهذه الكثافة مظاهر تسكع طلبة المدارس في الشوارع هاربون من مدارسهم، مشغولون بهواتفهم النقالة، سلوكهم غريب لا أخلاقي، عدا عن سماع قصص وحكايا عن تصرفاتهم مع أساتذتهم وحتى زملائهم، إنه جيل وصفه البعض من التربويين “بالضال” جيل غير مبالٍ بالقيم والعادات أقلها احترام المعلم في صفه وحتى محيطه كأفراد أسرته وأقاربه!

بالطبع هناك مسببات كثيرة يأتي في مقدمتها الظروف الصعبة التي تعيشها الأسرة السورية التي انشغلت خلال سنوات الحرب الماضية بتأمين لقمة العيش ونسيت مسؤوليتها الأهم بتربية أبنائها، فانحرفوا وضلوا الطريق ووصل بهم الأمر إلى ارتكاب المعاصي والجرائم بشتى أنواعها!

تنمر وتمرد!

في أحاديث مع عدد من أولياء الأمور شكا البعض منهم من تنمر أبنائهم عليهم، وتمردهم الذي يتجلى بغيابهم الطويل عن البيت، مشيرين إلى اللامبالاة المستفزة في تصرفاتهم وسلوكهم.

وحمّل بعضهم المسؤولية إلى المدارس التي لا تراقب وتتابع بشكل جيد أمور التلاميذ، متسائلين: ما تفسير وجود عشرات التلاميذ والطلبة بجوار سور المدرسة يتسكعون وكان المدرسة لا علاقة لها بهم؟.

وأشار البعض الآخر من الأهالي إلى أن مجالس أولياء الأمور في المدارس لا تتطرق للجانب الاجتماعي في حياة الطالب، في إشارة منهم إلى عياب دور المرشد الاجتماعي والنفسي في غالبية المدارس، وحتى إن وجد فهو لا يقوم بدوره على أكمل وجه لجهة تعزيز العلاقة ما بين البيت والمدرسة، وبصراحة كشف البعض من الآباء عن ممارسات وتصرفات خطيرة ومشينة يقوم بها الأبناء وصلت لدرجة شتمهم والتعالي عليهم والاعتداء على حرمات الغير دون رادع ضمير!.

واختصر الشيخ أبو محمود هذه الحال بقوله “كلو من الموبايل خرّب عقول الأولاد”، متسائلاً: هل يجرؤ الآباء الطلب من أبنائهم معرفة ما في داخل جولاتهم؟.

 

هل من حلول؟

بعيداً عن الردود الرسمية التي تعودنا عليها بمحاولة الالتفاف على المشكلة، بالإشارة إلى خطط ومشاريع ورقية لاحتواء الشباب لم ترَ النور، هناك من اقتراح إحداث مراكز لتأهيل هؤلاء الشباب الصغار على غرار مركز المتميزين الذي يُعنى بالنخبة من الطلبة المتفوقين بدلاً من تركهم في قاعة صفية واحدة عرضة لتأثيرات ومشاغبات زملائهم غير المهتمين بالدراسة، وصاحب هذا الاقتراح هو الإعلامي الدكتور نواف إبراهيم الذي يرى من الضروري التنبه إلى هؤلاء الطلبة المشاغبين الذين يزداد عددهم باضطراد وبرأيه هذا يزيد من خطرهم على أقرانهم بل على المجتمع بشكل عام، لذا هو مع فكرة إحداث مراكز لتأهيلهم أو على الأقل وضعهم في قاعة صفية لوحدهم ومحاولة إرشادهم ونصحهم، وأشار الدكتور إبراهيم إلى أن مثل هذه التجربة معتمدة في الكثير من دول العالم المتقدمة وأتت بنتائج جيدة جدا إذ خففت بشكل ملحوظ المشاكل والجنايات وغيرها الكثير من السلبيات وفق نتائج دراسات تم إعدادها لهذه الغاية.

مرحلة عمرية خطيرة

الدكتورة غيداء سلمان أيدت اقتراح الدكتور “إبراهيم” مؤكدة على أهمية تأهيل هؤلاء الشباب الصغار، فهم في مرحلة عمرية خطيرة ويحتاجون لمن يقف معهم، مشيرة إلى أن الجيل الذي تربى في ظل سنوات الحرب الماضية حمل الكثير من مفرزاتها السيئة، وإذا لم يتم احتواءه ومعالجة مشاكله بشكل صحيح قبل فوات الأوان سيكون وبالاً وكارثة على المجتمع في المستقبل القريب.

مدارس درجة ثانية!

الدكتور رامي أمون الأستاذ المساعد في قسم أصول التربية في كلية التربية بجامعة تشرين قدّم طرحاً آخر أثار من خلاله عدة نقاط هامة من الضروري أن تقف عندها وزارة التربية، موضحاً أن فرز الطلاب بين متميز نأخذه لمركز المتميزين ومتفوق نأخذه لمدارس المتفوقين قدا يبدو أمراً مقبولاً بالنسبة للمتميزين، فهؤلاء ليسوا بالعدد الكبير بينما العدد الأكبر من الطلبة موجود فيما تبقى من مدارس وهنا المشكلة، متسائلاً: ماذا يمكن أن نسميها؟، مدارس فاشلة أم مدارس درجة ثانية في ظل عدم الاهتمام بها؟!

وأبدى الدكتور أمون عدم رضاه عن فرز الطلبة، وبشكل خاص مدارس المتفوقين، فبرأيه أن هذه التجربة يجب أن تخضع للدراسة والتقويم من قبل مختصين، مشيراً إلى وجود عدد منها عليه أكثر من إشارة استفهام، لجهة التزام الطلبة بالدوام واعتمادهم على المعاهد والدروس الخصوصية علماً أنهم في مدارس متفوقين.

وبيّن الدكتور أمون أن هناك مدارس كثيرة تعاني اليوم من نقص المدرسين، رغم مرور أكثر من شهر على بدء العام الدراسي!، متسائلاً: ماذا سيفعل طالب في المرحلة الثانوية خمس ساعات في مدرسته دون وجود مدرس، مع العلم أن غالبية الطلبة يصطحبون هواتفهم النقالة؟!، أعتقد أن الأرضية تصبح جاهزة لكل أنواع الانحراف، وبالتالي لم يعد مستغرباً أبداً أن يصدر عنهم أي تصرفات أو سلوكيات سواء مع أساتذتهم أو مع عائلاتهم أو حتى ضمن المجتمع الأوسع!.

التربية هي الأساس

الآنسة هناء رسلان  المشرفة على قسم الكيمياء في مركز الفيزياء التطبيقية في اللاذقية ترى أن التسيب في المدارس لا يتحمل مسؤوليته المدرسون فقط، مشيرة إلى أهمية دور وواجب الأهل الرقابي من خلال التربية الصحيحة وحث الأبناء على احترام المدرسين والمحافظة على المرافق العامة، والحرص على آداب الحديث والتصرف الحسن مع من حولهم، وإرشادهم في كيفية استخدام الموبايلات بما ينعكس على تحسين مستواهم التعليمي.

وبينت أن مركز المتميزين تابع لهيئة التميز والإبداع هدفه رعاية الطلاب المتميزين جداً بمناهج مختلفة نسبياً من حيث المستوى و التوسع وأكثر اختصاصيه من مناهج وزاره التربية، مؤكدة أن هذه المراكز ضرورية كنواه لتخريج الطلبة من فائقي الإبداع.

أما بخصوص مدارس المتفوقين، فقد أشارت إلى حرص وزارة التربية على توسيع التجربة من خلال زيادة عدد المدارس في كل المحافظات، مشيرة إلى إحداث مركز الفيزياء التطبيقية في اللاذقية وهو مفتوح لكل طالب متميز في أي اختصاص من العلوم العامة و يرعى الطلاب من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية بكوادر تطوعيه كفوءه بهدف تطوير المهارات و رعاية المتميزين و إنشاء الطالب الباحث المبدع.

جيل متنور لا متهور

بالمختصر، الموضوع خطير ويحتاج لمعالجة سريعة من خلال التعاون ما بين الأسرة والمدرسة، أو كما يحلو للبعض وصفها بالشراكة على اعتبار أن تربية وتعليم وإعداد الأبناء ليست مسؤولية الأسرة بمفردها، وليست مسؤولية المدرسة، بل مشتركة والمفروض أن تصل لدرجة التكامل، فاليوم لا أحد يستطيع أن ينكر حالة التسرب والفوضى في المدارس وما يرتكبه الطلبة من حماقات خارج أسوار المدرسة، وهذا ما يشير إلى غياب القدرة على الضبط نتيجة الاختيار الخاطئ للكوادر الإدارية في بعض المدارس، وإلى غياب دور المرشد الاجتماعي، لذا نقترح تنظيم برنامج دوري مفتوح يقام كل شهر يجمع أولياء الأمور مع كوادر المدرسة وبحضور الأبناء بهدف تصويب الأخطاء وتعزيز التصرفات الإيجابية، فنحن اليوم أحوج من أي وقت مضى لبناء جيل واعٍ ومسؤول جيلٍ متنور لا متهور غير مبالٍ بشيء!!