مجلة البعث الأسبوعية

هل يمكن للتطبيع أن « يخدم » القضية الفلسطينية من غير قصد ؟؟

د. مهدي دخل الله

نعم .. يمكن . المشكلة هي في قدرة الشعب الفلسطينـي على استيلاد الفائدة من رحم ظاهرة سيئة ومضرة . إنه علم الحياة ، وشرطه أن يكون الكائن الحي قادراً على استخلاص الفرصة من لدنّ الأزمة ، والمنحة من لدنّ المحنة ، وتحويل القلق السلبي إلى قلق إيجابي .. إنه استيلاد الأمل من رحم الألم ( كل هذه المصطلحات مستعارة من خطاب السيد الرئيس ومصطلحاته ) ..

التطبيع حصل وأصبح واقعاً ، ومساحته ستتسع مع الوقت بلا شك . إنه ظاهرة سلبية ومسيئة للقضية الفلسطينية ، ولا جدال في ذلك . لكن هناك آثاراً إيجابية ظهرت بسبب تصاعد تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه وتعزيز انتفاضته في الشارع ومواجهته المباشرة للعدو بعيداً عن « الفصائل » وقياداتها « والسلطة » ومؤسساتها والعرب وتطبيعهم ..

أولاً – التطبيع أسهم في ضيق الدائرة الداعمة لفلسطين . هذا صحيح ، لكن هناك قانوناً منطقياً يعترف به علم الفيزياء أيضاً أنه كلما ضاقت الدائرة ازدادت كثافتها . هذا معناه أن المقاومة اليوم تستطيع أن تكون أكثر تركيزاً واستقلالاً وحرية قرار ، حيث لم يعد بإمكان من خرج من الدائرة الضغط على المقاومة ، وتضييق حرية قرارها .

إليكم الدليل على إيجابية ضيق الدائرة . قبل عام /1973/ سابقاً كانت الدائرة المؤيدة لفلسطين واسعة جداً ، تضامن عربي وعدم انحياز ومعسكر اشتراكي ، لكن عندما ضاقت الدائرة وأصبح القرار المقاوم حراً ، تم تحرير جنوب لبنان وغزة دون توقيع إضافة إلى نصر المقاومة /2006/ ، والتصدي السوري المدهش لأعتى الحروب . كل هذه الانتصارات تمت مع دائرة ضيقة ..

ثانياً – التطبيع ألغى – عن غير قصد – أهم دعامة دعائية إسرائيلية . كان الصهاينة سابقاً يشيعون في أوروبا وأمريكا وجميع أنحاء العالم أنهم شعب صغير حوله أكثر من /300/ مليون عربي عدو . وكانوا يستدرون عطف الرأي العام بهذا الادعاء ويربحون تعاطفاً سياسياً ومن التبرعات الشيء الكثير .

بعد التطبيع انقلبت الآية لصالح الفلسطينيين . اليوم في الغرب بدأ الناس يعتقدون أن الشعب الفلسطيني شعب صغير أعزل يواجه جيشاً قوياً بصدره وأذرع أطفاله ، وأن هذا الشعب بحاجة للتضامن والدعم ..

ثالثاً – لنذهب إلى التطور الحاصل في النفسية العامة للشعب الفلسطيني . كان هذا الشعب يرى في المحيط العربي حوله داعماً ومناصراً ، فيلقي على عاتق هذا المحيط جزءاً من الهم . اليوم أصبح الفلسطيني أكثر اعتماداً على نفسه وعلى محور المقاومة ، وفعلاً نرى كيف يتطور نضال الشارع الفلسطيني وحماسة الفلسطينيين وقدرتهم على الأداء في الآونة الأخيرة ..

إنها عبقرية الشعب الفلسطيني في استيلاد الفرصة من رحم الأزمة ، وهذه المدرسة موجودة عندنا في سورية أيضاً .. واليوم يبدو النصر الفلسطيني والسوري المقاوم أقرب من أي وقت مضى ..

mahdidakhlala@gmail.com