حساب السوق لا يتطابق مع الصندوق
معن الغادري
لطالما سمعنا عن إدراج عشرات المشاريع الخدمية والاقتصادية والتنموية ضمن قائمة اهتمامات وأولويات الفريق الحكومي والجهات التنفيذية في حلب، نذكر منها على سبيل المثال مشروع (المخطط التنظيمي الجديد) وتفصيلاته التي أقرتها اللجان الفنية المتخصصة قبل نحو أربعة أعوام من الآن، ورصدت حينها الحكومة خلال اجتماعها بكامل أعضائها في حلب مبلغ 5 مليارات ليرة للإقلاع بالخطوات الأولى للمشروع، ووعدت – أي الحكومة – بمضاعفة المبلغ في حال صدقت تقديرات وتأكيدات الجهات التنفيذية بإنجاز المرحلة الأولى للمشروع، والإقلاع بالمرحلة الثانية وهي الأهم، إلا أن – حساب السوق لم يتطابق مع الصندوق – ودخل المشروع كغيره في غيبوبة طويلة، وذهبت الوعود أدراج الرياح وبقيت الخطط على الورق حتى جف حبرها وغاب أثرها.
أما الأكثر غرابة وربما سوءاً في هذا الملف لجهة التعاطي غير المسؤول مع مفرداته وتفاصيله، فيتبدى في آليات صرف المبلغ المرصود لإطلاق المشروع، إذ تؤكد المعطيات أن جزءاً كبيراً من المبلغ، وربما كامل المبلغ، أنفق على مشاريع تجميلية، لا تكتسب أي أهمية استراتيجية وحيوية، وكان بالإمكان تأجيلها، مقابل البدء باتخاذ خطوات تنفيذية جدية لإنجاز مشروع المخطط التنفيذي الجديد للمدينة، والذي من شأنه – حسب ما هو موثق في الدراسات الفنية والهندسية – أن يحدث تغييراً جذرياً في المشهد العام للمدينة وعلى نحو يضعها ضمن قائمة المدن الحديثة والمتطورة وفي مختلف الجوانب والمستويات، خاصة بما يتعلق بتحديث شبكة الطرقات وملف التطوير العقاري وربط قديم المدينة بحديثها وتشكيل قاعدة قوية للجذب الاستثماري تكون رافعة وداعمة لعملية النهوض الاقتصادي بشقيه الصناعي والتجاري.
ولعل هذا الزخم الورقي وتسلسل عرضه وتسويقه إعلامياً خلال ما مضى من وقت، والذي كان منتظراً أن يترجم واقعاً ملموساً على الأرض، خيب كل الآمال المعقودة، بل ضاعف من حدة الأزمات الخدمية وغيرها التي تعاني منها حلب، خاصة أن إطالة فترات إنجاز المشروع إلى موعد غير معلوم، سيؤدي حكماً إلى حدوث خلل كبير في ميزان العمل التنفيذي، نتيجة المتغيرات والمتبدلات المتسارعة في المشهد الاقتصادي، والمؤكد أنها ستنسف كل ما هو مرسوم ومخطط على الورق، لجهة الامكانات والكلف المالية وغيرها من الجوانب التقنية والفنية، سيما وأن القراءات التفصيلية للمشروع متباعدة ومليئة بالمتناقضات، ولم تلحظ حجم وتأثير المشكلات والعقد على العمل التنفيذي، وتحديداً بما يتعلق بالعشوائيات والأبنية المسجلة على لائحة الأكثر خطورة، إلى جانب ما يتعلق بالوسط التجاري للمدينة وملف المدينة القديمة وتشعباته القانونية، والذي يتطلب تخطيطاً دقيقاً وفق رؤية منطقية وتوافقية تشكل أساساً ومنطلقاً لحل كل المشكلات العالقة.
أمام تعقيدات هذا المشهد، وتعثر إنجاز مشروع المخطط التنفيذي، والذي بات ضرورة وحاجة ملحة، وأبدى بكثير من تحسين مداخل المدينة والمستديرات وتزيين الأشجار بالإضاءة الملونة، وغيرها من الأمور التجميلية، نرى ضرورة مراجعة كل الحسابات وفق رؤية واضحة قابلة للتنفيذ، تعزز من بنية المدينة التحتية والفوقية، وتوثق الرابط بين قديمها وحديثها، وبما يتوائم مع ضرورات التغيير والتطوير على أسس وقواعد لا تقبل اللبس، تسهم في تدعيم روائز هذه المحافظة ويحافظ على هويتها ومقوماتها، ويؤسس في المحصلة لمشروع متوازن ومتكامل يحقق التنمية المتوازنة والمستدامة.