الرئيس الأسد.. حول الدين والإصلاح ودور المرأة
بسام هاشم
وسط الركام الهائل من المفاهيم المغلوطة والأحكام المسبقة، والرؤى المختلطة والغائمة التي تتسيد حياتنا اليومية، وتطغى على واقعنا المزدحم بشتى الأحكام والمواقف السريعة والاستهلاكية، يدهشك الرئيس الأسد دائماً بتلك “البداهة” التي تنتشلك برفق من عالم التقاليد العمياء، والمسلمات المتوارثة، إلى رحابة الصفاء الفطري والبداهات الأولية.. نهج تفكير أشد ما يميزه الوضوح والشفافية والإخلاص للمبادئ وللقناعات الشخصية والوطنية، ليحرضك دائماً، ويحرض الحقائق في داخلك، مذكراً الجميع بأن هذه الحقائق كامنة فينا، ومن حولنا، وما علينا إلا أن نحسن الإصغاء لذواتنا النقية، ووطننا العظيم، وديننا الحنيف، وأن نتأمل بعيداً عن الانقياد الأعمى والتعصب الجاهل، والأنانية والانغلاق وضيق الأفق والمحدودية، ونفتح عقولنا وحواسنا للحقائق الكبرى التي تلازمنا طوال الوقت، وأينما وجدنا، ولكننا لا نراها، أو أننا نقمعها، أو أننا نرفض الرؤية!!
ففي منطق مغاير تماماً لكل التنظيرات والمحاججات التي تجاهلت حقيقة الدين، وهاجمته، تحت دعاوى “إصلاح المجتمع”، ومحاربة الغيبيات ومواجهة التخلف، ألقى الرئيس الأسد ما يشبه حجراً كبيراً في بحيرة راكدة: “ليس هنالك ما يُسمّى الإصلاح الديني”، قاطعاً الطريق أمام أولئك الذين يتربصون بمجتمعاتنا، من الداخل والخارج، وتحت عناوين قد تكون حسنة النية أحياناً، ولكنها مغلوطة وتدميرية في النهاية.. لقد عاد سيادته إلى “المنبع”، ورفض، من داخل الدين، تلك الدعاوى التكفيرية التي دمرت استقرار مجتمعاتنا الراسخة في سلامها الروحي والأخلاقي، فـ “الدين هو الذي يصلح الإنسان وليس العكس”.. و”لا يمكن لشخص يعمل بشكل صادق في الحقل الديني ويفهم الدين وينتمي إلى هذه العقيدة بشكل صحيح إلا أن يكون محباً”، في تقاطع صميمي بين ما بشر به النبي محمد وما دعا إليه يسوع المسيح، ومع روح المكان حيث يرقد رأس يوحنا المعمدان في أحد أقدم المساجد الإسلامية في العالم.
اعتبر الرئيس الأسد أن وجود المرأة في الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف “هو الشيء الطبيعي”..
مشيراً إلى أن “هذا المظهر ضروري جداً بالنسبة لنا لكي تكتمل رسالة العقيدة، والإسلام ليس فقط بالمضمون وإنما أيضاً بالشكل”.. لم يكن سيادته يتبنى بذلك نزعة شكلانية، ولا يدعو إلى التمسك بالمظاهر، بل يؤكد على أن الشكل امتداد للمضمون. وهنا، فليس المقصود التشكيك، بل الإشارة إلى علاقة جدلية، والتدليل على الثراء و”التبادل” و”التكامل” الذي يجب أن يسم مختلف جوانب حياتنا اليومية، حتى على صعيد العبادة، فالحضور إلى بيوت الله والاحتفال معاً بعيد المولد النبوي، طقس جماعي يعبر عن الاتحاد والتوحد بالمحبة، ويعكس حس المشاركة والتكاتف، ويكرس المساواة في التعبير عن الإيمان في حضرة النبي العربي، وأمام الخالق، وهو ما كان انبثق عن الإسلام نفسه، وجاء به بترجمته الأولى، بصفته رسالة للتفاعل والاغتناء الروحي والإنساني لدى المسلمين.. وفي حياتنا المشتركة، يمكن للشكل أن يتجسد في عادات وأعياد واحتفالات جماعية، بما يعكس الحرص على التوحد والتواصل في الوطن الواحد، وداخل المجتمع الصغير والكبير، الذي قد يتسع ليشمل الحضارة العربية كلها، وقد يشمل العالم الإسلامي، ولربما جزءاً لا يستهان به من البشرية، ولكن مثل هذا الشكل ينهض في كثير من الأحيان كأحد أرقى مظاهر التعبير عن الهوية، وأبرزها حضوراً وشمولية في عالمنا المعاصر، عالم الصراع الثقافي وتحدي العولمة، وهو (الشكل) يعزز بالتالي مشاعر الانتماء والقواسم المشتركة، ويطرد الانتماءات المتخلفة والتجزيئية والتقسيمية.
في الحديث عن “التقسيمات”، لا يقبل الإسلام بالتصنيفات السكونية، ولا يعترف بـ “ضلع قاصر”؛ فنحن اليوم في مرحلة إعادة بناء البنى التحتية والفوقية، الحجر والبشر، ولا يمكننا أن نتعامل مع المستقبل بمعادلات جامدة ترسم للمرأة دورها باعتبارها “نصفاً” حسابياً.. وفي فهمه للإسلام وعلاقة المسلمين و”المسلمات” بدينهم، يحيل الرئيس الأسد إلى أنصع تجليات الرسالة المحمدية، حينما جسد الإسلام، تاريخياً، طاقة ثورية للانعتاق والتحرر، وشكل قاطرة دافعة أطلقت قدرات المجتمع وأكسبته قوة خارقة تضامنية، معترفاً للمرأة بمكانتها ودورها وحقوقها الأساسية؛ وحينما قال سيادته: “عندما تكون المرأة موجودة معنا في هذا الحفل (في إشارة إلى االاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف) فهذا هو الشيء الطبيعي”، فإنما كان يحيل إلى بدهية، بل وفطرة، أساسية، نافضاً الغبار عن قرون مديدة أقصت فيها المؤسسة الدينية التقليدية، والعادات الدخيلة، والعرف الخاطئ، المرأة المسلمة من الفضاء العام، وانتزعت منها حضورها ودورها، بل ورمت بها خارج نطاق الممارسة “الطبيعية” للتدين والعبادة، أي رفضتها كمخلوق كامل التكليف وله الحق في علاقة فردية مباشرة أو جماعية مع خالقه.. بهذا المعنى، لا يتطلب التدين الحقيقي والخالص أكثر من العودة إلى “تطبيع” مفردات حياتنا اليومية، بما فيها الدينية، مع كل ما هو إيماني وعقائدي عميق وأصيل، ومع كل ما هو محبة، ذلك أن أغلى ما أكرم به الخالق عباده – رجالاً ونساء – إنما يتمثل في الإيمان.. والإيمان كرامة ودور.