رغم أهميتها الاقتصادية والصحية.. خُطا مشاريع الزراعة العضوية لا تزال ثقيلة!
تحاول وزارة الزراعة دعم وتشجيع الزراعة العضوية والتوسع بها في جميع أنحاء القطر، نظراً لابتعادها عن المكونات الكيميائية وانعكاس ذلك بالتالي على الحصول على غذاء صحي وبتكاليف أقل، فضلاً عن أهميتها الإنتاجية والتسويقية ومساهمتها بالتخفيف من استيراد الأسمدة الكيميائية!
البداية كانت مع رئيس دائرة الإنتاج العضوي في مديرية زراعة حماة المهندس فجر سلطان الذي أكد أنه تم القيام بتجارب عدة على مخصبات التربة باستخدام السماد العضوي الطبيعي الناتج عن مخلفات الأغنام والأبقار والدواجن، وأيضا الكمبوست كسماد مركب تم تصنيعه في مشتى الحراج بمديرية زراعة حماه، وكذلك العمل على تجربة سماد الدود وخاصة تربية دود الريدويغلر و الريدتايغر والتي يتم تربيتها على بقايا نباتية للحصول على أرقى سماد في الطبيعة، إضافة إقامة مشروع في بلدة شين لإنتاج سماد الدود وتعبئته بأكياس وبيعه للمزارعين تحت اسم سماد وماركة تجارية.
وأشار سلطان إلى أنه تم تنفيذ 17 مدرسة عضوية حتى عام 2022 في دوائر الزراعة الخاصة بحماة في كل من مصياف والسلمية وصوران، وإنشاء 13 حقل إرشادي، و24 دورة تدريبية للجهاز الزراعي من مهندسين ومراقبين ومرشدين زراعيين في مجال زراعة حماة، وتم توزيع دود الريد تايغر والريد ويغلر لإقامة مزارعهم الخاص، على أن يتم بعد أشهر قليلة تنفيذ سماد الكمبوست في حقل فستق حلبي في مدينة كفرزيتا.
مبادئ بسيطة
وبين سلطان أن هناك مجموعة من المبادئ البسيطة التي يجب مراعاتها لتحقيق زراعة عضوية فعالة، كمبدأ الرعاية، إذ يجب مراعاة المقدرات الموجودة لدينا على الأرض كالمياه والسلالات الحيوانية لتستمر للأجيال القادمة، وألا يؤدي ما نمارسه من نشاطات زراعية إلى ضرر بالبيئة بكافة عناصرها كالماء والهواء والأرض، وعدم الاستغلال الواسع للأرض في الزراعة وألا يطغى مكون على آخر، وشدد سلطان على ضرورة تأمين دورة حياة متكاملة للحيوانات من خلال الاشتغال على توفير ظروف مناسبة لتربية الأبقار والأغنام والدواجن.
وأشار سلطان إلى أن الزراعة العضوية ضرورية في بعض الأنشطة المرتبطة بالعملية الزراعة كالتصنيع الغذائي، فعلى سبيل المثال، التين المجفف يجب أن يتم تصنيعه من مزارع وأشجار خالية من الأسمدة الكيميائية للحصول على غذاء يمكنه المحافظة على خصائصه عند التخزين، مؤكداً أن الإنتاج العضوي علاوة عن ذلك يعزز صحة الإنسان والحيوان والتربة والبيئة وذلك بالاعتماد على التنوع المناخي وإعطاء كل نبات حقه ومكانه الطبيعي الذي يتأقلم معه، إضافةً إلى الاستفادة من المزرعة كأن يتواجد لدى المزارع مزرعة تتضمن الشق النباتي والحيواني لتصنيع أنواع أخرى من الغذاء كالخل من شجر التفاح ورب البندورة من محاصيلها، إلى جانب الألبان والأجبان، وبالتالي نستفيد من الإنتاج النباتي والحيواني لتأمين السماد والأعلاف أيضاً في تغذية الحيوانات وهذا يعد بمثابة دورة حياة كاملة ومتكاملة في هذا المجال.
ثورة خضراء
المهندسة الزراعية سلافة درويش من مديرية زراعة طرطوس، بينت أنها تتابع مشاركتها كموفدة من قبل وزارة الزراعة لإقامة دورات تدريبية في حماة وعدد من المناطق لتدريب أكبر عدد ممكن من الفلاحين وأصحاب المشاريع الريفية الأسرية الصغيرة على إنتاج السماد العضوي الحيوي، بهدف تحقيق الاستدامة البيئية والإنتاجية الآمنة مع تأمين مصدر دخل للأهالي والفلاحين، مشيرة إلى أنه تم تنظيم دورة تنموية في قرية قطرة الريحان النموذجية في محافظة حماة والتي تعتبر نواة اقتصادية، بهدف نشر ثقافة الزراعة العضوية وتدريب أهالي المجتمع المحلي والمزارعين، مؤكدةً الإقبال الكبير من الأهالي والمزارعين على الاستفادة من عملية إنتاج سماد الفيرمي كمبوست لتسميد مزروعاتهم، ولاسيما في ظل ما يعانوه من ارتفاع أسعار الأسمدة الكيماوية، إضافةً إلى أثرها الضار على البيئة الزراعية.
وأكدت درويش دور إنتاج السماد الدودي في عملية تخليص البيئة من النفايات العضوية المتنوعة وتحويلها لسماد عضوي مغذي، واستخدامها لإنتاج أغذية آمنة، ورفع الإنتاجية الزراعية كماً ونوعاً بعيداً عن اللجوء لاستخدام الكيماويات والمواد الضارة التي أحالت الكم على حساب الكيف في ظل الزراعات التكثيفية، وزيادة المقاومة البيولوجية في المحاصيل وخاصة مع قلة المبيدات وانتشار الآفات والأمراض.
الحفاظ على الخصوبة
بالعودة إلى رئيس دائرة الإنتاج العضوي في مديرية زراعة حماة المهندس فجر سلطان، فقد أشار إلى أن الزراعة العضوية تستطيع أن تضاعف خصوبة التربة عن طريق تأمين كافة متطلبات الزراعة عبر أنواع الأسمدة العضوية كسماد الكمبوست وسماد الدود والسماد الأخضر، وعبر تطبيق دورات زراعية قصيرة لمحاصيل بيقية أو بقولية للاستفادة من العقد الآزوتية في تسميد التربة. وطالب باستبدال المبيدات بمستخلصات عضوية ناتجة عن النباتات الموجودة في الطبيعة، كأن نستخلص من الفليفلة الحمراء مستحضر لطرد الحشرات، إضافةً إلى الاستفادة من تجارب الأعداء الحيوية والحشرات النافعة في افتراس الحشرات الضارة بالمحاصيل.
السلبيات موجودة
لخص سلطان سلبيات التوجه إلى اعتماد السماد العضوي بأن كمياته لا تكفي لجميع المزارع في الوقت الراهن بسبب الطلب الكبير عليه، تزامناً مع تدهور واقع الثروة الحيوانية الأمر الذي يقلل من إنتاج الأسمدة البلدية، كما المبيدات العضوية الناتجة عن المستخلصات النباتية رغم فوائدها الكبيرة في التقليل من استهلاك المبيدات، إلا أنها لا تلبي الحاجة لمكافحة جميع الآفات، مشيراً إلى أنها تخدم الأشجار المثمرة بشكل أكبر مع المصائد الحشرية بأنواعها المختلفة والأعداء الحيوية “المفترسات الحشرية النافعة ” كأسد المن وأبو العيد وغيرها.
رأي
وفي استطلاع أجرته “البعث” مع عدد من الفلاحين والخبراء ممن أجروا بعض التجارب على إنتاج سماد الدود والأسمدة العضوية الأخرى، كان ثمة إجماع على أهمية السماد العضوي، إذ أكد من التقيناهم أن تجاربهم كانت ناجحة، ومشاريعهم مربحة ومدرة للدخل ولاسيما في حال اتباع النصائح بدقة والالتزام بالخطوات باحترافية، كما أكدوا أن خصائص النبات كانت ممتازة وذات إنتاجية عالية، مشددين على ضرورة التوسع بهذه التجارب وتقديم العون لهم من قبل وزارة الزراعة لتأمين الأدوات الضرورية لمشاريع السماد العضوي ونشر أبحاث حديثة عبر الجمعيات الفلاحية والوحدات الإرشادية لتنمية التجارب المحلية.
أخيراً تكثر الندوات والحوارات والفعاليات الرسمية والشعبية وحتى الإعلانية حول موضوع الأسمدة العضوية والطبيعية، لكن للأسف ما زالت الخطوات بعيدة جداً عن تشكيل قطاع متمايز يمكن الاعتماد عليه، بل وحتى اللحظة تغيب الأرقام الإحصائية حول حاجاتنا من السماد وكم نسبة مساهمة العضوي فيها وهذا أمر غير جيد حتى اللحظة، فالرقم الإحصائي مفتاح لكافة الحلول الاقتصادية، ونأمل اللحاق بدول الجوار في تجاربها الفريدة التي أمنت اسمدة خضراء ومنتجات عضوية ذات اعتمادية عالية تساهم في التصدير للدول الباحثة عن تلك المنتجات بأعلى الأسعار.
ذكاء أسعد