العنصرية تفوح من حديث بوريل
تحليل إخباري:
إمعاناً في بث الذعر في نفوس المواطنين الأوروبيين من أن هناك وحشاً في الخارج يريد ابتلاعهم، وفي إشارة واضحة إلى روسيا في هذا التوقيت بالذات الذي يتم فيه نشر ظاهرة “روسوفوبيا” على أعلى المستويات في العالم الغربي، شبّه مفوّض الأمن والخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا “المتميّزة” بـ”حديقة”، والعالم من حولها بـ”الأدغال” التي يمكن أن تغزو الحديقة.
وبدلاً من أن يقوم بتخصيص العبارة وحصرها في عدوّه المفترض الآن وهو الاتحاد الروسي، أظهر الرجل نفساً عنصرياً واضحاً شمل دول العالم أجمع باستثناء الغرب الرأسمالي الذي يمثله، حيث قال بوريل في كلمة ألقاها خلال افتتاح الأكاديمية الأوروبية للدبلوماسية في مدينة بروج البلجيكية: “أوروبا حديقة، لقد أنشأنا هذه الحديقة جميعنا.. فيها أفضل مزيج من الحرية السياسية والآفاق الاقتصادية والتماسك الاجتماعي.. بقية العالم ليس في الحقيقة حديقة.. معظم بقية العالم أدغال، وقد تغزو الأدغال الحديقة”.
فدول العالم جميعاً بعيدة عن الحرية السياسية والآفاق الاقتصادية والتماسك الاجتماعي، بينما العالم الغربي كما يحاول بوريل أن يصوّره هو عبارة عن واحة من الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الإنسان، تحيط به دول العالم الأخرى التي لا يقيم لها الرجل وزناً بوصفها لا تمتلك القيم التي تحدّث عنها، بل هي في نظره ربّما شعوب متخلّفة لا تستحق الحياة، فضلاً عن أنها دول مليئة بالوحوش التي تحاول دائماً الانقضاض على الحمل الغربي الوديع الذي لا يمتلك مطلقاً تاريخاً استعمارياً دموياً، ولم يقم بسرقة ثروات الشعوب واستعبادها ونشر التخلف والجهل فيها وتعيين أنظمة عميلة له تساعده على إخضاعها والهيمنة عليها.
كل ذلك في نظره يفرض على أوروبا أن تكون منتبهة لمثل هذا الوضع و”تعتني بحديقتها”، ولكن دون أن يجبرها ذلك على بناء الجدران حولها، لأن ذلك لن يكون صائباً، وبالتالي يكمن الحل في نظره في إعادة استعمار الشعوب الأخرى وجلبها إلى حظيرته من خلال قمعها وإجبارها على ذلك، لأنها لا تستحق أن تعيش الحياة التي يعيشها الغرب في حديقته، إذ “من الضروري أن تمتدّ الحديقة إلى الأدغال”.
هذا كلّه طبعاً يفرض، حسب بوريل، أن يتوسّع دور الاتحاد الأوروبي في السياسة العالمية، من خلال الانخراط في الوضع في بقية العالم عبر الاستعمار والهيمنة طبعاً، وليس عبر المشاركة والتعايش السلمي، لأن الأوروبيين أناس متميّزون في كل شيء، فهم الذين أنشؤوا مزيجاً من هذه الأشياء الثلاثة (الحرية السياسية والآفاق الاقتصادية والتماسك الاجتماعي) حسب زعمه.
وفي اللحظة الأخيرة تذكّر بوريل أن كل هذه المقوّمات لا تفرض طبعاً أن يبقى الأوروبيون أحياء باعتبارهم استثناء، ربّما لأن حياة الأمم الأخرى أمرٌ لابدّ منه.
وواضح من حديث الرجل أنه يحمل في طيّاته شوفينية ظاهرة ليس تجاه روسيا فحسب، بل تجاه سائر دول العالم التي جعلها تعيش في الأدغال، بينما يتمتع الشعب الغربي عامة والأوروبي خاصة بالرقي والحضارة والانفتاح والديمقراطية وغيرها من القيم الإنسانية التي لا يمتلكها باقي دول العالم.
طلال ياسر الزعبي