مجلة البعث الأسبوعية

امتداد مباشر لعقيدة القوات الخاصة القديمة حرب بريطانيا بالوكالة على روسيا…. أوكرانيا كساحة اختبار لأسلحة جديدة

البعث الأسبوعية -عناية ناصر

يعتبر الصراع في أوكرانيا صراعاً بريطانياً أيضاً، نظراً لدور المملكة المتحدة الواسع في الحرب، وذلك من خلال تقديم الدعم العسكري، والاستخباراتي، وإمدادات الأسلحة، وحرب المعلومات. فالحكومة في المملكة المتحدة لا تخوض الحرب في أوكرانيا لأغراض أخلاقية أو إنسانية دفاعاً عن كييف، بل لتحقيق مكاسب إستراتيجية تتمثل ،وفق زعمها، في مواجهة روسيا، وإنهاء السياسة الخارجية المستقلة لموسكو التي تتحدى تفوق الناتو في جميع أنحاء أوروبا، ودعم السيادة الأوكرانية والدفاع عن حقوق الأوكرانيين.

إن أسباب ذلك بالنسبة لصناع القرار في” وايت هول” ليست مزاعمهم السامية المعلنة حول الدفاع عن الديمقراطية أو وقف الحرب، فالمملكة المتحدة ضالعة في ارتكاب مثل هذه الجرائم عن سابق إصرار وتصميم في صراعاتها الحالية ، ولا سيما اليمن. إن اهتمام لندن بالديمقراطية لا يمكن رؤيته في أي مكان عندما يتعلق الأمر بدعم الديكتاتوريات المختلفة  في دول عدة، حيث يتم وضع معارضتها للاحتلال الأجنبي غير الشرعي جانباً عندما يتعلق الأمر بدعمها العسكري المتزايد للكيان الإسرائيلي.

المشكلة مع روسيا

ترى “وايت هول” أن حرب أوكرانيا فرصة، إذ ذهبت ليز تراس أبعد من ذلك لتقول إننا “سنعيق التنمية الاقتصادية لروسيا على المدى القصير والطويل” بالعقوبات المفروضة على البلاد في أعقاب الحرب في أوكرانيا في شباط. كما دعت في الواقع إلى تغيير النظام في موسكو، قائلة إن المملكة المتحدة “لا يمكنها أبداً أن تسمح لروسيا بأن تكون في وضع يمكنها من شن هذه الحرب مرة أخرى”. وفي ذات السياق، أخبر القائد الجديد للجيش البريطاني، الجنرال باتريك ساندرز، القوات أنهم بحاجة إلى الاستعداد لمواجهة روسيا في ساحة المعركة. كما قال الرئيس السابق للقوات الخاصة البريطانية، الجنرال مارك كارلتون سميث، العام الماضي، إن مشكلة “وايت هول” الرئيسية مع موسكو هي  أنها “تسعى لتحقيق  مجال نفوذها المستقل عن أي نظام عالمي أو كتاب قواعد تدعمه الولايات المتحدة”.

وقال وزير الدفاع آنذاك مايكل فالون في عام 2017 :”لقد اختارت روسيا وبشكل غير مقبول بالنسبة لصناع السياسة البريطانيين، أن تصبح منافساً استراتيجياً للغرب”. وأعرب خليفته، جافين ويليامسون، عن موقف مماثل، قائلاً: “بعد عام 1990 … اعتقدنا أنه ستكون هناك قوة عظمى واحدة فقط” ، في إشارة إلى الولايات المتحدة. واشتكى من أن “روسيا تريد أن تنافس الولايات المتحدة”. يقول الجنرال ساندرز: “إن هذا الاستقلال والتنافس الروسي قد أسهم في تآكل الميزة الاستراتيجية للغرب التي يجب استعادتها”.

المملكة المتحدة تريد أن ترى روسيا محاصرة وبعيدة عن الساحة العالمية، ولذلك تبذل الحكومة البريطانية جهوداً استثنائية لمساعدة أوكرانيا وهزيمة روسيا في حربها، ويمكن تحديد ستة مساهمات رئيسية في هذا المجال:

1-المقاتلون الأجانب

كانت هناك عدة تقارير تفيد عن تواجد نشط لجنود “متقاعدين” من الخدمة الجوية الخاصة في أوكرانيا، فبعد أيام من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ورد أن “فريق اقتحام” من جنود القوات الخاصة البريطانية “المتقاعدين” قد تطوع “للقيام بمهام في عمق أوكرانيا”. وقيل إنهم قناصون مدربون تدريباً عالياً وخبراء في استخدام الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات. وفي الشهر التالي، قُتل ثلاثة من الجنود في غارة جوية روسية.

ذكر أحد التقارير في حزيران الماضي أن فريقاً من جنود القوات الخاصة السابقين، وجميعهم من قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان، قد شاركوا بشكل مباشر في الحرب. ووفقاً لمصادر مقربة من ساحة المعركة يقاتل ما يصل إلى 3000 بريطاني في أوكرانيا، وهناك حوالي 20 ألف جندي أجنبي في البلاد إجمالاً. وتشير الاحصائيات، إلى أنه  قُتل أو أُسر حوالي تسعة بريطانيين في أوكرانيا، وأطلق سراح حوالي خمسة منهم. وبحسب ما ورد ترك البعض الجيش البريطاني للانضمام إلى الحرب. وفي هذا الإطار، قال وزير الدفاع جيمس هيبي أمام البرلمان في شهر حزيران الماضي: “هناك عدد قليل من الجنود البريطانيين العاملين قد خالفوا الأوامر وربما ذهبوا إلى أوكرانيا للقتال”.

في البداية، شجعت وزيرة الخارجية آنذاك ليز تراس البريطانيين على الذهاب إلى أوكرانيا، وقام كثيرون بذلك لاحقاً، بما في ذلك ابن أحد كبار السياسيين المحافظين. ثم تراجع الوزراء عن موقفهم، وقالوا إنهم لا يريدون مشاركة البريطانيين في الحرب على الإطلاق. تقول الحكومة الآن أن القتال في أوكرانيا قد يرقى إلى مستوى جريمة بموجب تشريعات المملكة المتحدة، ويفتح المجال أمام الملاحقة القضائية للمشاركين في الحرب عند عودتهم إلى المملكة المتحدة، لكن لم يسمع  حتى الآن عن مقاضاة أي شخص.

2– تواجد عسكري رسمي على الأرض

أرسلت المملكة المتحدة قوات خاصة إلى أوكرانيا في شباط الماضي، قبل أسابيع من الحرب، مكونة من قوات جوي،  وقوات بحرية، وفوج الاستطلاع الخاص، ومجموعة دعم القوات الخاصة العاملة في البلاد لتدريب القوات الخاصة الأوكرانية على تكتيكات مكافحة التمرد والقنص والتخريب. وسرعان ما كانت تلك القوات الخاصة تقدم تعليمات للقوات المحلية في العاصمة الأوكرانية كييف حول كيفية استخدام الصواريخ المضادة للدبابات التي قدمتها بريطانيا، والتي تم تسليمها في أواخر شباط مع بدء الحرب. وقالت وزارة الدفاع في تموز الماضي إن لديها 97 جندياً في أوكرانيا، لكنها لم تكن راغبة في الكشف عن مواقعهم.

3-الأسلحة البريطانية

تضمنت المساعدات العسكرية التي قدمتها المملكة المتحدة لأوكرانيا بقيمة 2.3 مليار جنيه إسترليني، وأكثر من 10000 صاروخ مضاد للدبابات، ومئات الصواريخ والمدافع الأخرى، و 200 عربة قتال مصفحة، وثلاثة ملايين طلقة من ذخيرة الأسلحة الصغيرة. إن الطريقة التي تنفق بها المملكة المتحدة مساعداتها العسكرية تتم بطريقة سرية، حيث رفضت الحكومة إعطاء تفاصيل كاملة عن إنفاقها، كما كانت تنسق بشكل أساسي الإمداد الدولي بالأسلحة إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب،  حيث قالت حكومة المملكة المتحدة إن الأسلحة البريطانية يتم توفيرها عن قصد “لتتجاوز” الدفاع عن أوكرانيا وتمكنها شن عمليات هجومية.

في الواقع ، دعم وزير الدفاع جيمس هيبي ضرب أوكرانيا أهدافاً داخل روسيا بأسلحة قدمتها المملكة المتحدة لقتل المواطنين الروس. وأشار هيبي: “نحن لا نسعى لإخبار الأوكرانيين بما يمكنهم وما لا يمكن استخدامه بخلاف ما ينبغي استخدامه بطريقة قانونية”.

يبدو أن أوكرانيا تعمل كساحة اختبار لأسلحة بريطانية جديدة، على سبيل المثال، استخدمت القوات الأوكرانية صواريخ “مارتليت” الموجهة بالليزر والمصممة في البداية لمساعدة الأسراب القتالية من البحرية الملكية من الزوارق الهجومية الصغيرة، وصاروخ “مارتليت” هو سلاح يتم اختباره من قبل القوات البريطانية، ولم يتم نشره بالكامل من قبل الجيش البريطاني. بشكل عام، تستخدم المملكة المتحدة أوكرانيا “كساحة لعرض أسلحة بريطانية الصنع”، حسبما أفاد أندرو بونكومب في صحيفة
” الإندبندنت”.

كانت ليز تراس، بصفتها وزيرة للخارجية، واضحة فيما يخص هذا الأمر، حيث قالت في آذار الماضي: “إن الأسلحة البريطانية التي ترسل إلى أوكرانيا هي  تصدير مهم للغاية بالنسبة لنا، وتسهم في انتعاش الوظائف والنمو”.

4-التدريب العسكري

يساعد التدريب البريطاني بشكل مباشر العمليات القتالية الأوكرانية، حيث يتلقى الآلاف من الجنود الأوكرانيين تعليمات مكثفة للمشاة، بما في ذلك حرب المدن والرماية في قاعدة عسكرية في إنكلترا. ويعد التدريب على استخدام الأسلحة المضادة للدبابات إحدى الطرق المباشرة التي تساعد بها المملكة المتحدة الجيش الأوكراني، لكن هناك طرقًا أخرى. على سبيل المثال، قامت القوات الخاصة البحرية بتوجيه القوات الأوكرانية إلى كيفية استخدام غواصات صغيرة تسمى “الدراجات البخارية البحرية”.

5-الدعم الاستخباراتي

كانت المعلومات حول الدعم المقدم لأوكرانيا من وكالات الاستخبارات البريطانية غامضة كما كان حالها  دائماً، لكن الصحفي الأمريكي توم روغان، كتب  نقلاً عن ثلاثة مصادر استخباراتية غربية، أن العمليات العسكرية البريطانية كانت تتم بقيادة جهاز الاستخبارات البريطاني، وأن أوكرانيا تدين بشكر خاص للتواجد البريطاني في ساحة المعركة، وعلى وجه التحديد لضربات واستطلاع أفراد القوات الخاصة البريطانية داخل أوكرانيا. وذكر روغان أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كانتا توفران الأقمار الصناعية، والحرب الإلكترونية، والإشارات،والاستخبارات الإلكترونية. وأضاف أن حملة أوكرانيا المتصاعدة هي امتداد مباشر لعقيدة القوات الخاصة البريطانية القديمة، وهذا ينطوي على نشر دوريات صغيرة جداً (4 أو 8 أو 16 فرداً) تقوم بجمع  معلومات الاستهداف للقادة في العمق. تقوم هذه الفرق أيضاً بعمليات تخريبية ضد أهداف مثل القطارات اللوجستية، ومراكز القيادة، والأهداف عالية القيمة مثل الطائرات ومستودعات الذخيرة ومستودعات الوقود. من المعروف أن جهاز الاستخبارات البريطاني أجرى اتصالات مع الرئيس الأوكراني فولوديمر زيلينسكي منذ فترة طويلة قبل الحرب. وفي تشرين الأول 2020، قيل إن زيلينسكي عقد اجتماعاً سرياً مع رئيس جهاز الاستخبارات البري ريتشارد مور في المملكة المتحدة.

قال جيريمي فليمنغ، رئيس مركز الاتصالات الحكومية، الذي يعتبر أكبر وكالة استخبارات في المملكة المتحدة، إن المملكة المتحدة “تعزز” دفاعات أوكرانيا من خلال دعم أمنها الإلكتروني، لكنه لم يقدم مزيداً من التفاصيل، لكن من المؤكد أن المخابرات البريطانية  تلعب دوراً كبيراً في الحرب، وقالت إنها تدعم القوات البريطانية “في أي وقت وفي أي مكان” يتم نشرهم فيه.

6-حرب المعلومات

يعتمد الدور الرئيسي لبريطانيا في حرب المعلومات ضد روسيا على الدعم الطويل الأمد لأوكرانيا، حيث قال سايمون بو، الرئيس التنفيذي لخدمة الاتصالات الحكومية في المملكة المتحدة – التي تشرف على العمليات الإعلامية الحكومية – إن بريطانيا قدمت “دعم اتصالات استراتيجي” للحكومة في كييف منذ عام 2016، يتراوح ذلك الدعم من المساعدة في بناء قدرة اتصالات في مركز الحكومة، إلى بناء المرونة في مواجهة تهديدات الأمن السيبراني، إلى تقديم حملة مشتركة لدعم القيم المشتركة لديمقراطياتنا.
قبل الحرب الروسية الأوكرانية، في بداية شباط  أنشأت الحكومة البريطانية خلية معلومات حكومية تضم 35 موظفاً من مختلف الوزارات. ووفقاً لـ سايمون بو تعمل هذه الخلية مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وشبكة استخبارات العيون الخمس (التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكندا والمملكة المتحدة) . يدعي بو أن الخلية لا تنشر معلومات مضللة بنفسها، وأن “نموذجنا يعتمد على استخدام حكومة المملكة المتحدة للحقائق لفضح الحقيقة”.

ليس من السهل التحقق من ذلك، لأن أنشطة الخلية غير شفافة، حيث تظهر في وسائل الإعلام روايات كاذبة مختلفة حول روسيا، مع مصدر غير واضح. يتم إصدار تأكيدات من قبل وكالات الاستخبارات البريطانية التي يصعب أو يستحيل التحقق منها، مثل ادعاء جهاز المخابرات البريطانية أن مستشاري بوتين كانوا يكذبون عليه بشأن أداء روسيا في أوكرانيا. وكشف الكاتب و الصحفي البريطاني  مات كينارد مؤخراً أن حكومة المملكة المتحدة كانت تنفق أكثر من 80 مليون جنيه إسترليني على مشاريع إعلامية في أوروبا الشرقية ، في البلدان المحيطة بروسيا، والتي غالباً ما يتم تقديمها على أنها تحارب “التضليل الروسي”.

هناك تاريخ طويل من ترويج المملكة المتحدة لعمليات المعلومات السرية، بما في ذلك بث مواد كاذبة في وسائل الإعلام. لكن ما هو أكثر وضوحاً هو أن” وايت هول” تستثمر في الترويج للمعلومات أحادية الجانب، والتي يمكن أن ترقى إلى شكل من أشكال الدعاية. في آذار الماضي، على سبيل المثال، أعلنت الحكومة عن 4.1 مليون جنيه إسترليني إضافية لتمويل الطوارئ لخدمة ” بي بي سي” العالمية لدعم خدماتها باللغتين الأوكرانية والروسية التي تبث في كلا البلدين.

إن حرب المملكة المتحدة بالوكالة على روسيا مخاطرة كبيرة للغاية، ويرجع ذلك جزئياً إلى النشاط العسكري البريطاني وإمدادات الأسلحة، وفي حال لم يتم العمل على إنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق قد تتطور الحرب لتستخدم فيها الأسلحة النووية التي ستؤدي إلى نتائج كارثية.