من القطيع إلى “القطع”!!
علي بلال قاسم
مع موافقة الحكومة على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة “السماح بتصدير ذكور الأغنام والماعز الجبلي، على أن تتم إعادة مبلغ 300 دولار عن كل رأس مصدر واستلام المقابل بالليرات السورية، شريطة إلغاء ربط التصدير بالاستيراد، ورغم تحديد الكمية بـ 200 ألف رأس كحد أقصى ولغاية تاريخ 30/ 11/ 2022، بمعدل 1000 رأس لكل مصدر عند التصدير براً، و5000 رأس لكل مصدر عند التصدير بحراً أو جواً”، تبدو الفكرة الأكثر إثارة للانتباه هي رصد كامل القطع الناجم عن عملية تصدير الأغنام لصالح استيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي للموسم القادم، لاسيما الأسمدة والمواد العلفية وفق الأولويات التي حددتها وزارة الزراعة، وهذا ما نرتجيه، علَّ القادمات من الأيام تثبت إن كان هذا الربط في محله أم لا!!
بالعموم، تأتي هذه الخطوة في زمن يعاني فيه المربون الأمرين، وفي توقيت تراجع فيه استهلاك السوريين من اللحوم بعد تبدل الأولويات وانتشار شراء اللحوم بالأوقية بسبب محدودية الدخول، والتوجه إلى الضروريات فقط، لينخفض العرض بشكل واضح، فعدد الخراف المذبوحة في المسلخ انخفض بنسبة 25%، علماً أن عددها كان يصل إلى 2000 خروف خلال الفترة الماضية.
قصة تصدير الخراف من عدمه تعيد الحديث المكرور المتعلق بالطروحات والنقاشات المتعلقة بالملف الذي لم يغب أبداً عن طاولة النقاش حتى في زمن البحبوحة والرخاء، إذ كانت الإضبارة دائمة السخونة رسمياً واجتماعياً، واليوم تتعاظم الهواجس وتتضخم السجالات مع مقترحات من قبيل “عدم التفريط برأس واحد من القطيع” الذي تهدده فصول التهريب والإرهاب والسرقة، حيث لم يعد بذاك الكم، إذ كنا لا نمانع من تصدير ملايين الرؤوس في موسم واحد، لتتحول الفكرة إلى كارثة وضرب من الجنون!!
ولا يخفى على أحد أن مافيا التجار تلعب لعبتها في أغنامنا التي علينا مسؤولية مداراتها بالرمش والعين في أيام القلة.. قلة يجب أن تملي على وزارة الزراعة تحديداً التشدد وعدم تمرير صفقات مشبوهة من هذا النوع بذرائع باتت مكشوفة، ولم تكن إلا شماعة مفضوحة، تتمثل بتأمين القطع الأجنبي اللازم لدعم عمليات الاستيراد للمواد الضرورية.؟!
من المعروف أن المصدرين يعزفون كثيراً على هذا الوتر ناصحين وواعظين، لا بل راشين ومتآمرين على المستهلك الذي لا يستطيع الاقتراب من مادة اللحمة لغلائها، فكيف الحال واليوم تتصدر هذه الأخبار ليصاب السوق بالعدوى على وقع هكذا أحاديث حيث ارتفعت أسعار الغنم الحي للكيلو الواحد حتى في أكثر المحافظات استيعاباً وتربية للأغنام وهي حماة، فكيف الحال في محافظات مستهلكة بامتياز وليست منتجة.
هنا نذكر ما قدمته غرفة تجارة حماه من شروط في حال السماح بالتصدير وقد تكون مقبولة في ظل الخوف على السوق المحلية وهو استيراد الأغنام البيلا لتغطية حاجة الأسواق بضعف الكمية المصدرة في محاولة لتعويض الخسارة التي سيمنى بها المستهلك لمصلحة التاجر وقد تستفيد الخزينة ببعض الدولارات ولكن الخسارة الأكبر ولاسيما الاستراتيجية لابد محققة وحاصلة وهذا ما يعتبره البعض غلطة الشاطر!!
في هذا المحراب، ثمة من يدعو للتروي بشكل كبير مع تقليب الملف على كل أوجهه، والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات، وعدم الوقوع في براثن ومصيدة التجار والمصدرين الذين يعرفون فن التوريط تحت إغراءات القطع المطلوب في هذه الظروف، لكن كثيرين يعولون على ضمير الحكومة التي لم نعهدها تترك مستهلكيها الفقراء طعماً لـ “تجار البندقية”!