وكالة المخابرات المركزية الأمريكية امتداد لـ الدولة العميقة
عناية ناصر
تحظى وكالات الاستخبارات الأمريكية التي مضى على تأسيسها 75 عاماً هذا العام بتقدير كبير من قبل وسائل الإعلام الأمريكية، وبعض الأمريكيين على الرغم من تاريخهم الطويل في خدمة مصالح النخب على حساب الإنسانية.
ولدى الولايات المتحدة 17 وكالة استخبارات من مختلف الاختصاصات، والتي تمّ تخصيصها لإدارة شؤون الدولة في سرية تامة. ولا توجد وكالة استخبارات أمريكية أخرى معترف بها عالمياً أكثر من وكالة الاستخبارات المركزية، والتي تأسّست بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب العالمية الثانية.
كانت الولايات المتحدة في تلك المرحلة أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، وكانت العمليات السرية المنوطة بالوكالة هي مساعدة الولايات المتحدة في الحفاظ على مكانة القوة العظمى في العالم وسط نمو البدائل الاشتراكية مثل الاتحاد السوفييتي، وجمهورية الصين الشعبية. لقد قدّمت وكالة المخابرات المركزية للبشرية العديد من الأسباب للرغبة في إلغائها، حيث أدّت عمليات الوكالة في جميع أنحاء العالم إلى زرع الفوضى وزعزعة الاستقرار في مناطق بأكملها. ووفقاً لـ وليام بلوم المؤرّخ والكاتب الصحفي الأمريكي المعروف بانتقاد السياسة الخارجية لبلده، فقد شاركت وكالة المخابرات المركزية في محاولة الإطاحة بأكثر من 40 حكومة حول العالم على مدار خمسة عقود، ولعلّ الأمثلة الأكثر شهرة على ذلك هي المساعدة في تسهيل الإطاحة بـ جاكوبو أربينز في غواتيمالا، ومحمد مصدق في إيران، وباتريس لومومبا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسلفادور الليندي في تشيلي.
يتميّز تاريخ الاستخبارات المركزية بنطاق واسع من السلطات وبانعدام الشفافية، ففي عام 1975، عقد الكونغرس الأمريكي جلسات استماع تناولت بشكل مفصّل عدداً من انتهاكات وكالة الاستخبارات المركزية، بما في ذلك “عملية الطائر المحاكي”، والتي هي عبارة عن حملة سرية من قبل الوكالة في خمسينيات القرن الماضي وذلك للتأثير على وسائل الإعلام حين جنّدت المؤسّسة الصحفيين الأمريكيين البارزين للمساعدة في تقديم وجهات نظر الوكالة، وموَّلت بعض المنظمات الطلابية والثقافية، والمجلات كواجهة، وذلك للدعاية لوجهة النظر الأمريكية بما يتعلَّق بالحرب الباردة، والتي تمّ رفع السرية عن الوثائق الخاصة بالعملية في عام 2007. قادت وكالة المخابرات المركزية أيضاً الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، والمعروف سابقاً بـ مجلس حكام الإذاعة الذي أسّس منظمات إعلامية كاملة مثل “إذاعة آسيا الحرة” المكرسة لتقويض الحكومات التي يقودها الشيوعيون في جميع أنحاء العالم.
في عام 1951، حاولت وكالة المخابرات المركزية بث “إذاعة آسيا الحرة” في الصين عن طريق رفع أجهزة الراديو على بالونات من جزيرة تايوان، لكنها تخلّت عن الخطة عندما عادت أجهزة الاستقبال بسبب الرياح.
إن وكالة المخابرات المركزية ليست أقل خطورة الآن كما كانت في ذلك الوقت، فقد أظهرت العديد من عمليات وكالة المخابرات المركزية بشكل مباشر التصعيد الهائل في حروب الولايات المتحدة، وانتهاكات حقوق الإنسان، كما قامت بتمويل عملية “الإعصار” لتسليح الجماعات المسلحة في أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفييتي. لقد خلقت هذه السياسة أنموذجاً لمؤسّسة السياسة الخارجية الأمريكية لاستخدامه في حملتها المستمرة لتسليح ودعم قوى تغيير النظام في العديد من دول العالم كالعراق وسورية وليبيا وأوكرانيا وأماكن أخرى، كما قامت باستخدام عملية “العنقاء” الشهيرة التي تضمّنت اغتيال وتعذيب عشرات الألوف من مواطني فيتنام في إطار حربها المزعومة ضد الإرهاب.
قادت وكالة المخابرات المركزية، وبقية مجتمع الاستخبارات الأمريكية الطريق في إثارة الخوف حول الصين كجزء من الاستراتيجية العسكرية الأمريكية “للمنافسة الاستراتيجية” التي حدّدتها إدارة جو بايدن. وفي السابع من تشرين الأول عام 2021، وصف مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز الصين بأنها “أهم تهديد جيوسياسي نواجهه في القرن الحادي والعشرين”، وأعلن أنه سيتمّ إنشاء مراكز بعثات للتركيز أكثر على الصين. في عام 2020، اكتشفت شركة الأمن السيبراني الصينية “كيوهو 360″ حملة اختراق ضخمة لوكالة المخابرات المركزية استهدفت قطاعات الطيران والتكنولوجيا والطاقة في الصين. وفي شهر أيلول الماضي، اكتشف المركز الوطني الصيني للاستجابة لحالات الطوارئ لفيروسات الكمبيوتر أن وكالة الأمن القومي اخترقت خوادم جامعة نورث وسترن بوليتكنيك في محاولة لسرقة البيانات الشخصية للمعلمين والطلاب.
إن وكالة المخابرات المركزية هي امتداد لـ”دولة عميقة” أوسع، ومن الأفضل تسميتها الدولة الحقيقية التي تقود السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. يُنظر إلى الصحفيين مثل جوليان أسانج، ودول مثل الصين وإيران وروسيا على أنهم تهديدات يجب إسكاتها من قبل النخب الأمريكية التي تسعى إلى الهيمنة، وتحقيق أقصى ربح لها. هذه المصالح الضيّقة تزدهر في ظروف عدم الاستقرار والحرب.
تجدرُ الإشارة إلى أنه يتمّ تمويل وكالة المخابرات المركزية بمبالغ غير معروفة للمساعدة في تسهيل مهامها، وبالتالي، فإن إنهاء وكالة المخابرات المركزية سيكون تطوراً مرحباً به الآن وفي المستقبل.