قوة الرأسمال ليست للوطن!
علي عبود
من السذاجة الرهان على قوة الرأسمال الخاص لمصلحة الاقتصاد الوطني لناحية ضخ الاستثمارات وتشغيل الناس، فلم نحصد من هذا الرهان سوى الخيبات، ومن السذاجة أكثر النظر إلى قوة المال الخاص كمحرك للتنمية البشرية واعتبار هذا الأمر من المسلمات. ولسنا مع أصحاب النظريات المعلّبة من قبيل أن رأس المال جبان، لأن التجارب أكدت أنه سيتحمّل مخاطر الاستثمار في البلدان التي تتعرّض للحروب والأزمات، لأن مردود أرباحها أكبر وأسرع.
وبالمقابل، ليس صحيحاً أن رأس المال هو من بنى الدول والإمبراطوريات، ماضياً وحاضراً، فما من نظرية سياسية في التاريخ القديم والمعاصر ذكرت أن الدول قامت بقوة المال، فالصحيح أن أصحاب المال تحالفوا مع مراكز النفوذ لاستغلال ثروات البلدان وناسها، وأقاموا معاً حكومات عميقة لغزو الشعوب الأخرى واستعمارها والمشاركة بنهب ثرواتها!
وعندما يتعرّض أصحاب الرأسمال في الدول الغربية لهزة أو زلزال ماليّ تتدخل الحكومات لإنقاذهم سريعاً على حساب الناس كما يحصل في الولايات المتحدة.
ولعلّ ذروة السذاجة عندما اعتقد بعضهم، ولا يزال، أن في سورية قوة رأسمال أصحابها من الكبار من القطاع الخاص، وراهنت حكومات سابقة على قدرة هذه القوة بالمشاركة في الحياة الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، وبدأ هذا الرهان في عام 1991 بصدور قانون الاستثمار رقم 10، فماذا كانت الحصيلة؟.
نعم، أقبل بعض كبار المستثمرين على إقامة بعض الاستثمارات في القطاعات الاستهلاكية والخدمية ذات المردود الربحي السريع، ولكن ليس من جيوبهم، وإنما بقروض من مصارف الدولة، وبالشراكة مع متنفذين، أي كانت المشاريع لشفط الأموال وليست للمساهمة في الإنتاج والتصدير، والدليل تحويل عائداتها إلى دولارات وتهريبها إلى الخارج. فعلى ماذا استند أو راهن البعض من المنظّرين، أو الجهات الحكومية بأن قوة الرأسمال الخاص ستبني البلاد وتُشغّل آلاف العباد؟.
ونستنتج من الذي يسأل مستغرباً أو مستفسراً عن أسباب تراجع رأس المال في سورية عن المساهمة في أعمال التنمية وسوق العمل وزيادة الدخل القومي؟ أنه يعيش وهماً آن له أن يستيقظ منه ويعود للواقع كما هو، فرأس المال لم يتقدّم أساساً في الماضي كي نقول إنه تراجع الآن، فمعظم نشاطه كان ولا يزال يتمحور على استثمارات لشفط الأموال وتهريبها، والاستثناءات قليلة إلى درجة لا يمكن القول معها: إن قوة الرأسمال في سورية ساهمت في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل إن هذه القوة متمركزة أساساً في الخارج، ومنها لبنان الذي استفاد من ودائع حيتان المال السوريين بتسديد فوائد دينه العام وتثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية لمدة ثلاثة عقود!
لقد شرّعت الحكومات المتعاقبة منذ عام 1991 الأبواب أمام القطاع الخاص، أي أمام قوة الرأسمال، وشرّع وزير الاقتصاد آنذاك لمفهوم جديد كان بديلاً عن الخصخصة، وهو “خصخصة القطاعات الاقتصادية”، أي فتح جميع الصناعات بما فيها التي كانت حكراً على الدولة كالكهرباء والنسيج والإسمنت والنفط.. إلخ، ليستثمر فيها أصحاب رأس المال القوي، فماذا كانت الحصيلة بعد ثلاثة عقود؟.
كانت في معظمها صناعات غذائية وخدمية، رغم أهميتها للناس، فإنها لا تصنع تنمية تزيد البلاد قوة وتزيد وارداتها من القطع الأجنبي!. ولو انتظرت الحكومات خلال عقدي السبعينات والثمانينات قوة رأس المال الخاص، لما شهدنا نهضة سورية الحديثة كما عرفناها حتى عام 2010 من خلال خطط خمسية نفذتها الشركات الإنشائية الحكومية، فيما انشغل القطاع الخاص ولا يزال بالاستثمارات سريعة المردود وتحويل عائداتها إلى دولارات وتهريبها للخارج.
وها قد مضت سنوات على قانون التشاركية، وها هي الحكومة تطرح شركاتها المدمّرة والمتعثّرة لاستثمارها بالتشارك مع قوة رأس المال، ولكن دون جدوى، فالذي قَدِمَ شركات من دول صديقة وحليفة، وليس من حيتان المال المحليين.
الخلاصة: سينتظر الواهمون والمتوهمون عقوداً جديدة دون أن تتحقق هلوساتهم برؤية رأس المال الخاص في سورية يساهم في عمليات البناء والإنتاج، أي بنهضة اقتصادية تحقق القوة للبلاد والرفاه للعباد، فالشغل الشاغل والوحيد لقوة رأسمال الحيتان شفط المليارات وتحويلها إلى دولارات يستفيد منها البعيد وليس القريب!!.