انتخابات اللاذقية.. صخب مؤسف وواقعة غير مسبوقة في اللقاء الحزبي مع المرشحين
“البعث” – مروان حويجة
لا يمكن أن تمرّ الواقعة التي شهدتها أمس انتخابات مجلس محافظة اللاذقية، وبالأخص اللقاء البعثي الذي سبق افتتاح الجلسة، دون التوقف عندها والإضاءة عليها بكل تجرّد وشفافية.
بداية، من المعروف للقاصي والداني أنّ من حقّ أي حزب في العالم أن تكون له رؤيته وبرنامجه وتكتيكه الانتخابي، كقوّة سياسية في المجتمع، وهذا متعارف عليه في كل استحقاق انتخابي يخوضه أي حزب، إلّا أنّ ما حصل خلال اللقاء الحزبي مع الرفاق البعثيين، أعضاء مجلس محافظة اللاذقية، قبيل انعقاد الجلسة الأولى المخصصة للانتخابات، وما شهده هذا اللقاء من أصوات عالية النبرة، وصخبٍ شديد داخل وخارج قاعة الاجتماع، وإقدام البعض من غير المدعوين على “اقتحام” القاعة قبيل نهاية اللقاء – مع ما رافق ذلك من اعتراض صارخ على ما تم التوجيه به للجهاز الحزبي – لم يكن مقبولاً بالمطلق، بصرف النظر عمّا تحدثت به الأصوات “المعترضة” من إقصاء وغبن واستهداف من خلال ما وصفته توجيهاً غير محقّ يؤثر على فرص وحظوظ غير البعثيين من المستقلين، وهو ما كان وجه الاعتراض القادم من خارج قاعة اللقاء إلى داخلها، وما شابه ذلك من تعابير واعتراضات.
وبكل الأحوال، فإنّ ما حصل يعدّ سابقة غير مشهودة في تاريخ هكذا لقاءات واجتماعات، يجريها الحزب مع مرشحيه وممثليه إلى الانتخابات. وإذا كنّا لسنا في وارد إطلاق الأحكام وتحديد وتحميل المسؤوليات وتوجيه الاتهامات، فإنّ الأمر مؤسف ومرير لكل من شهد وتابع وسمع ما حصل من مشادّات كلامية وعبارات اتهامية لا تليق – لا من قريب ولا من بعيد – بمثل هذا الاستحقاق الذي يعوّل عليه أبناء اللاذقية كثيراً، لتصويب وتحسين واقع المحافظة الخدمي والتنموي، والالتفات إلى قضايا المواطن الذي اهتزت عنده صورة هذه المجالس على مدى دورات سابقة. فعندما يتناهى إلى هذا المواطن ما حصل من احتدام واعتراض وخلاف على مقعد تنفيذي، فإنّه سيستنتج عنوان المرحلة القادمة من بدايتها.. أما الأمر الأشد أسفاً فهو أن يعتقد البعض – مخطئاً – أنّ صورة الأمس الداكنة تأتي من قبيل التنافس والسباق الانتخابي المحموم، ويدرجها في عموم المشهد، وهذه مغالطة كبيرة ووصمة قاتمة في المشهد الحزبي والمجلس المحلي وسمعة الاستحقاق الانتخابي، لن تمحو آثارها وتبعاتها الأيام والسنوات.
إن ما حصل يستوجب التوقف عنده مليّاً وكثيراً لاعتبارات بالغة الأهمية والحساسية تتعلّق بدور وواجب وحقّ المؤسسة الحزبية في التعاطي المطلوب منها، والواجب عليها، والمستحقّ لها، في هكذا استحقاق وما لديها من خصوصية لجهة الآليات التي تراها مناسبة، من لقاءات واجتماعات وتوجيهات واستئناسات وغيرها، ومن حقها أن تصون هذا الدور والواجب بآليات تنظيمية تعمل على تطبيقها دون أية ضغوط ومؤثرات خارجية تشوب أجواء عملها، وبالتالي هي مسؤولة عن الضوابط والمحددات وكبح جماح أي حالة عارضة بشكل مسبق أيضاً، واضعةً كل الاحتمالات من هذا القبيل.
وبالمقابل، يحقّ لأيّ مرشح غير بعثي أن يتعامل ويتعاطى مع هذا الواقع بحساباته الانتخابية وأجندته وتكتيكه الانتخابي، وبشكل مسبق أيضاً، دون أن يتقاطع ما يصبو إليه – تنافراً وتنازعاً وتعارضاً – مع حقّ الغير في التحضير والتكتيك (ولسنا هنا في وارد تخطيئه مطلقاً)، ولكن المسألة محسومة في الصندوق الانتخابي الذي كان شفّافاً ونزيهاً بالمطلق في انتخابات الأمس، وأدرك كل من تابع الواقعة المؤسفة أنها لم تكن مبرّرة نهائياً بكل المقاييس والمعايير الانتخابية والقانونية والمنطقية، وحتى الحزبية. ولعلّ ما يبعث على المرارة والأسف أكثر أن يتخيّل البعض واهماً ويعتقد مخطئاً أنّ هناك ما يسمّى ” كسر عظم” أو “لي ذراع”، في هكذا حدث واستحقاق؛ ولا يمكن أن ننظر إلى هذا الاعتقاد بحسن نيّة لأنّ تداوله بشكل صارخ أيضاً يندرج في تضخيم الواقعة والنيل من المؤسسة الحزبية، وحتى من المرشحين أنفسهم، فطالما هناك عملية انتخابية يُحتكم فيها إلى الصندوق وأصوات الناخبين، فلن تجدي نفعاً أية واقعة أو ظاهرة أو “قوة أمر واقع”. وبالتالي، فإن الصيد في الماء العكر في واقعة الأمس لا يعدو كونه محاولة بائسة لا طائل منها، وتعوّدنا عبر سنوات أن تتم معالجة مثل ما حصل وفق أسس موضوعية، ولو حتى تقييمها وتدارسها والنظر فيها، لأن فيها درساً مستفاداً وإن كان موجعاً، لأن ما حصل قبل جلسة الانتخابات ألقى بظلاله وأجوائه الساخنة على الجلسة نفسها، وما تخللها من أصوات مرتفعة وهواجس قلق وتوتر وانفعال، ولكن الجلسة أنجزت أعمالها وفقراتها الانتخابية كاملة، ومع ذلك ما جرى يحتاج إلى إعادة نظر ومراجعة ضرورية للجميع.