“جنون” أسعار العقارات.. 80% من الأبنية مخالفة للشروط وحركة البيع “معدومة”
تصدّر خبر انهيار بناء في حلب وآخر قيد الإنشاء في منطقة مصياف صفحات الأخبار المحلية على مواقع التواصل الاجتماعي خلال أقل من شهرين، وسط عدم خروج أي تصريح يفسر حقيقة ما جرى وما آل إليه الأشخاص المتورطون في هذه الأبنية المخالفة للشروط، ففي الوقت الذي أصبح به امتلاك عقار أو شقة سكنية حلماً بعيد المنال عن يد معظم المواطنين نجد أن حالات الغش والتلاعب بالشروط الفنية للأبنية في ازدياد لجذب المواطنين بشراء عقار “نظامي شكلياً” بسعر منخفض بالنسبة للشاري ويحقق ربحاً مخفياً كبيراً للقائم على البناء، في المقابل يؤكد أهل الكار أن حركة البيع والشراء في مناطق السكن النظامية “ميتة” نتيجة تجاوز سعر العقارات فيها المستوى المسموح به من جيب المواطن لتتحول حركة البيع هناك إلى حركة إيجار بأسعار مرتفعة أيضاً ودخول المواطن مجدداً في دوامة بازار الإيجارات دون رقيب أو حسيب!.
غض نظر
لاشك أن حالات الأبنية المخالفة نشطت خلال فترة الحرب واستمرت لما بعدها من سنوات على عين الجهات المعنية التي لم تستطع كبح جماح جميع المخالفين لأسباب مُغيبّة عنّا، ولعلّ قيام عديد المواطنين مراراً وتكراراً بتوجيه طلبات إلى محافظة ريف دمشق لاتخاذ الإجراء المناسب بحق تشييد بعض المخالفات وعدم استجابتها بهدم المخالفة أصولاً في الوقت الذي تتغنى فيه بهدم مخالفات معيّنة استطاعت تجاوز أصحابها عديمي “الواسطة”، جعلنا نجزم بعدم القدرة الحقيقية حتى الآن لاتخاذ إجراءات واضحة وصريحة بحق المخالفات المرتكبة من الأبنية من جهة عدم كونها “طابو نظامي” ومن جهة مخالفة أغلبها للشروط والمواصفات الفنية.
للمغتربين فقط
ويجمع أهل الخبرة أن حالة الجمود في حركة البيع والشراء تتجه نجو الازدياد لأسباب عديدة أهمها ارتفاع سعر الصرف رافقه ارتفاع أسعار جميع المواد الأساسية الداخلة في البناء مع انخفاض مؤشر القدرة الشرائية للمواطنين إلى ما دون الصفر، الأمر الذي أوصد الباب على فكرة امتلاك عقار للقاطنين في البلد ويصبح شراء شقق سكنية بأسعار خيالة حكراً على المغتربين من أهل البلد ممن يسمح لهم دخلهم بشراء عقار في سورية في حال رغبتهم بذلك، في حين بقي خيار الاستئجار الحل الوحيد أمام من بقي في البلد يصارع ليل نهار في سبيل تأمين لقمة العيش تحت سقف”مُستعار” على أمل انخفاض أسعار الشقق السكنية حتى لو بعد أجل غير مسمى.
لا علاقة للاسمنت
خلف حنوش رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال البناء أعاد سبب ارتفاع العقارات بشكل عام إلى ارتفاع تكاليف العملية الإنتاجية بشكل عام، فمن الخطأ حصر سعر العقارات بسعر الاسمنت والحديد، لافتاً إلى أن المساعي الحالية هي خفض تكاليف العملية الإنتاجية وهذا ما لمسناه في معمل اسمنت عدرا خلال الأشهر الماضية والتي استطاعت خفض تلك التكاليف إلى ما يقارب الـ 10 آلاف ليرة لطن الاسمنت نتيجة الصيانات وتأهيل خطوط الإنتاج، ولم ينف حنوش أن رفع سعر الاسمنت يؤثر على قطاع البناء لكن يبقى تأثيره محدود لا يتجاوز الـ 7% من سعر العقارات، في حين يساهم الفيول والكهرباء في 75% من العملية الإنتاجية للبناء، لافتاً إلى وصول طن الفيول إلى المليون و400 ألف إضافة إلى 450 ليرة للكيلو الواط الساعي من الكهرباء، ناهيك عن ارتفاع أسعار الأراضي واختلاف سعرها من منطقة لأخرى، وبالتالي لا يمكن إلقاء اللوم فقط على ارتفاع سعر مادة أو مادتين فتشييد بناء يتضمن الأرض والبنى التحتية والكهرباء والصحية وغيرها من مواد ومستلزمات.
وأشار رئيس الاتحاد المهني إلى العبء الكبير الملقى على عاتق معمل عدرا للاسمنت خاصّة بعد خسارته حوالي الـ 50% من اليد العاملة فيه مع صعوبة تأمين مستلزمات العملية الإنتاجية ومواكبة التطوير والتحديث الجاري في باقي الدول، لكن بجهود العمال والخبراء المحليين تم التغلب على النقص في المعدات الحساسة بالعملية الإنتاجية في هذا المعمل كما تم تصنيع رأس الفرن ووفر الكثير من القطع الأجنبي على الخزينة العامة.
ولم ينكر حنوش أن الإنتاج المحلي من اسمنت القطاع العام لا يلبي حاجة السوق المحلية خاصّة مع خروج عدد من المعامل خلال سنوات الحرب عن الخدمة ودخولنا اليوم في مرحلة إعادة الإعمار، لذا يتم الاعتماد على شركائنا في القطاع الخاص لسد الفجوة ما بين العرض والطلب وعدم اللجوء إلى الاستيراد.
مخالفات بالجملة
وبنظرة تشاؤمية للمستقبل يرى الخبير العقاري عمار يوسف أن الواقع سيئ لدرجة كبيرة، وهناك مشروعات عقارية من الصعب إنجازها في ظل استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم، فالركود يخيم على بيع العقارات خلال الأشهر الأخيرة وتقتصر عمليات البيع الحالية على من يريد أن يأكل ويشرب ويسدد ديونه، باستثناء العقارات المباعة من أجل تجميد الأموال، ولم ينف يوسف أن مخالفات البناء اليوم “بالجملة” وناتجة عن التشييد بمواد غير سليمة إضافة إلى عدم وجود دراسات إنشائية صحيحة، فالأبنية المخالفة خلال سنوات الحرب وما تلاها تشكل جزءاً كبيراً من حركة البناء أو ما نسميها إعادة الإعمار، لتتجاوز نسبة الأبنية المخالفة سواء للشروط الفنية أو للمناطق المسموح بالبناء فيها الـ 80% ، فأي زلزال بسيط بقياس 3,5ريختر سيؤدي إلى كارثة حقيقية وهدم أكثر من 30% من الأبنية خاصة تلك التي قامت خلال سنوات الحرب، ولفت الخبير العقاري إلى أن ما يحصل اليوم هو انخفاض للقدرة الشرائية بالليرة السورية وليس ارتفاع للعقارات، فسعر العقارات بالنسبة لسعر الدولار قبل الحرب لا زال كما هو، بالتالي ما يحصل هو انخفاض قيمة العملة المحلية وعدم قدرتها على شراء عقار ببضع الملايين كما كانت سابقاً، لافتاً إلى عدم استطاعة أي أحد على التنبؤ بعودة الحركة إلى سوق العقارات، خاصّة وأن الطلب اليوم يقتصر على الإيجارات التي ارتفعت إلى حد غير طبيعي وبشكل استغلالي على عيون البلديات والمعنيين بالأمر.
ميس بركات