رسائل مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني
علي اليوسف
بعيداً عن الشأن الداخلي، حمل خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي الـ 20، رسائل عديدة بالغة الأهمية للخارج، وهي أن الصين ستدشن مرحلة جديدة مرتبطة بشكل أو بآخر بالإستراتيجية الأميركية التي أعلنت قبل أيام قليلة، والتي أكدت أن بكين هي الخصم الرئيسي والعدو الأول. ما يعني أن الحزب الشيوعي سيقدم رؤية جديدة لقراءة العالم رداً على ما طرحته واشنطن في استراتيجيتها، وخاصةً لجهة مستقبل تايوان، وتطوير الجيش، ورفض الهيمنة، وسياسات القوة، وعقلية الحرب الباردة.
في خطابه الافتتاحي الذي دام حوالي 100 دقيقة، أشار الرئيس جين بينغ في مستهل كلمته إلى هونغ كونغ، وتايوان، وتعهد بأن بكين “لن تلتزم قط بالتخلي عن استخدام القوة” عندما يتعلق الأمر بتايوان، وقال: إن “الصين.. تعارض بحزم جميع أشكال الهيمنة والسياسات القائمة على القوة، وتعارض عقلية الحرب الباردة والتدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية، كما تعارض ازدواجية المعايير”.
الرسائل النارية التي وجهها الرئيس الصيني للخارج ليست كلاماً، بل ستكون واقعاً ملموساً تأكيداً على ما احتواه الخطاب لجهة الحديث عن القوة العسكرية للجيش الصيني، وتكثيف التدريبات العسكرية في ظل ظروف قتالية في جميع المجالات، وابتكار توجيهات استراتيجية عسكرية جديدة تلحظ تطور استراتيجيات وتكتيكات الحرب، بما في ذلك إنشاء نظام ردع استراتيجي قوي.
في ضوء هذه الرسائل، من الطبيعي أن تفرض حالة الصعود الصيني تساؤلات مهمة حول تأثير هذا الصعود على مستقبل وشكل النظام العالمي الراهن، لكن السؤال يبقى: ما هي آليات هذا الانتقال؟ وهل سيرتبط بحدوث صدام عسكري حتمي بين الولايات المتحدة والصين، أم يمكن أن يحدث ذلك باعتباره أمراً واقعاً من دون وقوع هذا الصدام؟ وما هو المدى الزمني المتوقع لحدوث هذا الانتقال؟
في ظل حالة التعقيد التي تتسم بها العلاقات الدولية، يصبح تقديم إجابات عملية على هذه الأسئلة صعباً جداً، الأمر الذي يجعل من الضروري الرجوع إلى نظريات العلاقات الدولية المعنية بدراسة شروط الانتقال وآلياته داخل النظام العالمي، ومنها على سبيل المثال نظرية “تحول القوة”، ونظرية “استقرار الهيمنة”.
ولكن مع نظريات الانتقال الأكاديمية، ورؤية الصين الواقعية الجديدة، يبقى لمؤتمر الحزب الشيوعي الصيني أهميتة الكبرى على المستوى العالمي باعتباره “غرفة عمليات” تتخذ فيها القرارات، وترسم السياسات، والخطوط العريضة الخاصة بالحزب والبلاد، حيث تحمل نتائجه أهمية كبرى ليس بالنسبة لسياسات بكين، داخلياً وخارجيا فقط، بل أيضاً بالنسبة لصانعي السياسات في جميع دول العالم، في ظل استمرار الصعود المتنامي لبكين على الساحة الدولية، لذلك سيبقى الكل في غرف الانتظار حتى تتضح الرؤية.